Culture Magazine Thursday  07/05/2009 G Issue 282
فضاءات
الخميس 12 ,جمادى الاولى 1430   العدد  282
إشكالية الروايات النسَوية في الخليج!
د. أحمد عبدالملك

 

في كتابات الشبان والشابات الجديدات على الساحة الأدبية ظهرت العديد من الملاحظات والمشاهد التي تعود بنا إلى ظاهرة التسليع الثقافية أو ثقافة (التلصص) الأدبي الذي يؤدي إلى (اختراق) التابوهات الاجتماعية والثيوقراطية سعياً لشهرة طارئة غير مؤسسة تأسيساً قوياً كي يكون انطلاقة لحركة روائية في منطقة الخليج، أو - لربما - من أجل تحقيق ربح سريع دونما جهد يوازي حجم مردود تلك الكتابات التي تتلقفها دور النشر - التي أصبح بعضها مثل فضائيات الإثارة - وتقوم بالترويج لها بصورة مكثفة، حتى تتمكن تلك الكتابات الهشة من احتلال المعارض وأرفف المكتبات لخداع القارئ - الذي يتابع تلك الإعلانات والمقابلات على الشاشات وفي المجلات والصحف - بأن الرواية الفلانية قد حققت أرقاماً خيالية في التوزيع أو أن تلك الرواية قد منعت في خمس دول عربية، وبهذا يتحقق لها الانتشار، ويقبل الناس على الممنوع المرغوب من باب حب الاستطلاع.

خلال السنوات الخمس الماضية ظهرت أعمال خليجية أطلق عليها (روايات) خصوصاً في المملكة العربية السعودية، وهي أعمال نثرية لا يجوز أن نطلق عليها اسم (روايات)؛ كونها لم تلتزم بالمعايير الأدبية لصنعة الرواية؛ فبعض تلك (الروايات) كانت عبارة عن التقاط بصري لظاهرة اجتماعية مخبوءة تحت العباءة النسائية، أو هائمة خلف الجدران العالية، وبعضها مثل التقارير الصحفية التي تغطي حادثة من الحوادث تحدث يومياً في أكثر من مكان. وإذا ما أصبح كل شاهد على حدث في أي مكان من الخليج (روائياً) فإن نصف سكان الخليج سوف يصبحون روائيين!؟ وإذا ما قامت (بناتُ الخليج) - هذه ليست اسم رواية - بكشف المستور في الغرف المظلمة أو في القصور المُنيفة، أو في صالونات التجميل، فكل بنات الخليج سوف يصبحن روائيات، وهن لا يدركن ميكانيزمات الرواية الأساسية!؟

ولا يجوز أن تتحول مذكرات فتاة مراهقة إلى عمل روائي - كما حدث في (بنات إيران) التي جاءت بعد (بنات الرياض) ولنا معها وقفة أخرى! - فكل القضية سيرة ذاتية للكاتبة وعلاقاتها الأسرية المتشعبة ورغبتها الجامحة في التحرر والانطلاق. فالالتقاط البصري أو التسجيل للأحداث لا يدخل في مفهوم الرواية!

يقول الناقد (عبدالمنعم تليمة) في جريدة الجريدة حول هذا الموضوع: (نعيشُ عصر التوابل الروائية، حيث كرّست الروايات الجديدة مفاهيم تَبَدّل فيها الأدب من القيمة إلى السلعة، وأصبحت الروايات تتعمد تقديم نكهة مثيرة لتلقى الرواج ويتزاحم القراء عليها)!

وفي ذات الصياغ يرى الأديب (جمال الغيطاني) أن الروايات الجديدة - ومنها بنات الرياض - تمثل أزمة الأدب في عالم اليوم، مضيفاً (رواية بنات الرياض فتحت باباً اسمه التلصص على عوالم النساء في الأدب، وهذا بعيد عما يسمّى الأدب النسائي)!.

ويرى الأديب (محمد الورداني) أن هناك من يدّعى الإبداع بينما يُخفي - في حقيقة الأمر- ضعفاً في لغته أو ركاكة في أسلوبه، فتعتمد روايته على لغة مباشرة تتخطى الحد الفاصل بين اللغة الأدبية وحلقة الشارع المُبتذلة!؟

نحن نعتقد أن دور النشر - ولربما وراءها جهات مجهولة - تحاول الترويج لمثل تلك الأعمال في أدب التسليع للمرأة بقصد التقديم (المهادن) لدور الأديبة (المرأة) طبقاً لجنسيتها أو حيّزها الجغرافي ولربما اسمها! وفي هذا إضرار كبير بالقيم الأساسية التي يتضمنها الأدب ودوره في تطور المجتمعات.

نحن نُصدم عندما نقرأ عملاً مذكراتياً أو فوتوغرافياً لحادثة صغيرة جداً، ليس لها تشعبات في السرد، ولا نقلات في التاريخ، ولا حتى نقلات في الأمكنة، وليس للشخصيات أي ارتباط بالمكان، وليس للزمان أي أثر في الحادثة أو الشخوص! كما أن اللغة ذاتها تخلو من أي بديع أو بيان، فنجدها جامدة كالعضات أو المراسيم الحكومية! ومثل هذه الأعمال لا تأخذ القارئ إلى ملكوت الرواية، ولا تفرق بين عالم القارئ وعالم الرواية. كما أننا نُصدم بعدم اهتمام بعض (الروائيات) بتطور الشخصية في الرواية، بل نجد الشخصية وكأنها في مقابلة تلفزيونية في برنامج هابط، أو أننا لا نتمكن من تلمس ميزات هذه الشخصية ولا نتفاعل معها، بحكم أن (الروائية) لم تتعب في وصف الشخصية الوصف الأمثل! كما يغيب الخيال أو حتى البعد الميتافيزيقي الماورائي عن بعض هذه الروايات، فيظل القارئ محشوراً في مركز شرطة أو سرير امراة خمسينية... أو في السيارات (المخفية) التي تلهب الشوارع! وفي مثل هذه الحالات لا تكتمل لدينا ولا لدى الروائية الصورة الشاملة للمشهد أو القصة. إن الروائي الجيد يستطيع أن يسطّر عشر أو عشرين صفحة لوصف السجن! حيث يقرأ في عيون المساجين وطريقة جلوسهم أو نومهم أو إيماءاتهم مشاهد تخرجنا من السجن - كمكان - إلى فضاءات جديدة بعيدة عن واقع السجن، وهنا تبرز أهمية قدرة الروائية على نسج الأحداث ورسم الشخصيات خارج السجن. كما أن غلاظة التعامل مع المسجونين يمكن أن تؤدي بنا إلى مقاربات مع سجون أخرى ليست في حقيقة الأمر من الإسمنت!؟ هذا إذا كانت الروائية على التصاق بالأدب أو حركته أو بالفن الروائي.

عن المكان في الرواية يقول الأديب البحريني (فهد حسين): المكان يتفاعل مع الشخصية داخل العمل الروائي، ويسعى إلى تكوينها فكرياً ونفسياً ووجدانياً، ويؤثر في انتقالها من حال إلى حال. كما أنه يسهم في خلق المعنى داخل الرواية، ولا يكون دائماً تابعاً سلبياً.

ونحن نمرُّ على روايات جديدة - خصوصاً النسوية - فلا نلاحظ ذاك التفاعل بين المكان والشخصية أو الشخصيات كما نلاحظه في روايات عديدة منها (السجينة) لمليكة أوفقير، التي تأخذك معها حقاً إلى خصوصية المكان - وهو السجن - وتجعلك تغوص في شخصيات المسجونين - عائلتها - وتتابع تطوراتهم وتصوراتهم واتجاهاتهم على مدى 15 عاماً. ونفس الشيء نجده في ربط الدكتور غازي القصيبي - في شقة الحرية - بين المكان والزمان والشخصيات ربطاً وثيقاً ينتج عنه تصرّف أو سلوك الشخصيات، رغم أن الرواية في مجملها واقعية! المكان أيضاً نلاحظه في روايات عديدة مثل: (مئة عام من العزلة) لجابريل غارسيا ماركيز أو (خفة الكائن التي لا تُحتمل) لميلان كونديرا؛ وغيرها.

ما نود قوله في هذا المقام أن هنالك عاملين أساسيين لظهور أعمال أدبية تفتقد روح الأدب ويُطلق عليها جزافاً (روايات)! العامل الأول: هو محاولة المرأة الخروج من واقعها الاجتماعي المُحاصِر والمحاط بالممنوعات والتابوهات، فتقوم - بدلاً من الخروج من ملامح الظلم الاجتماعي الفيزيائي إلى الشارع والصراخ في وجه الظالمين لها، وراء الجدران العالية، أو ما تسمعه من اجتراء على إنسانية المرأة أو (تفاهة) حياة بعضهن، تقوم برسم تلك الوقائع أو المشاهد على الورق مباشرة دونما اهتمام أو حتى إلمام بالمواصفات والأركان الأساسية للرواية. العامل الثاني: نهم بعض دور النشر العربية للمال دون النظر إلى جودة العمل! وهنا تسقط مهنية الرواية وفنها تحت ماكينة ( الإدرار)، ويتحول تصرف امرأة مثلية إلى رواية أو يتحول حادث اغتصاب إلى رواية، أو يتحول موضوع غلاظة الشرطة إلى رواية.. وهكذا؟! فهنا نحن نقدم المشهد دونما تدخل أدبي، فيبدو وكأننا نشاهد صور العاريات في كبائن الهاتف في لندن مع أرقام هواتفهن، أو نلمح عنف الجيش الأمريكي ضد ساكني (غوانتنامو)؟!

إن ظاهرة (استسهال) العمل الأدبي، أو التسرع نحو الشهرة، دون الخوص في خلفيات داعمة وضامنة لنجاحه، ودونما خلفيات أدبية أو لغة روائية ثرية، من الأسباب التي تضاف إلى العاملَين المذكورَين أعلاه!

أنا لا يمكن أن أقبل عملاً روائياً دون أن يكون صاحبه أو صاحبته قد نضجت من الناحية اللغوية أو تمكنت من القدرة على استحضار الخيال الخصب والتكييف والمعايشة لظروف وحكايا الرواية، بل وقبل أن تقرأ على الأقل خمسين أو ستين رواية للآخرين.

نحن بالطبع ندافع عن الحرية، ويجب أن نحرر المجتمع من أسر التقاليد السيئة، ولكننا في ذات الوقت لا يجب أن نسمح لبعض دور النشر - التي يعتقد أصحابها أن نشر مثل هذه الأعمال المتواضعة باشتمالها على الممنوع دينياً أو قيمياً - بنشر تلك الأعمال، أو الاعتقاد بأن ذلك سوف يدعم الحراك الثقافي ويصبح الطلب على الكتاب أكثر!؟ هذا كلام غير دقيق؛ لأن القارئ قد يُخدع من تلك الدار ويشتري الكتاب (المثير)، لكنه سوف يكتشف تواضع محتواه، فلن يكمله ولربما رماهُ في ركن مهمل من مكتبته! ولو صارت صاحبته نجمة فضائيات أو رمزاً من رموز الوجاهة الاجتماعية والثقافية في المنتديات!

نحن نعتقد أن (حيلة) بعض دور النشر العربية لن تنطلي على القارئ العربي، خصوصاً بعد أن تصْدرَ روايتان أو ثلاث من النوع المتواضع، قد تكسب تلك الدار كسباً وقتياً، وقد ترفع صاحبة مذكرات يومية إلى مصاف الأدباء الكبار، ولكن هذه حالة التباس لن تدوم! وهذا خروج على النص الأسمى للعمل الروائي لن يكتب له البقاء على أرفف التاريخ الأدبي، بل سيكون (فقاعة) فضائية مثل المطربات أو فتيات الإعلان اللاتي تعرضن لأكثر من عملية تجميل في أنحاء مختلفة من الجسد!؟

* * *

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«8072» ثم أرسلها إلى الكود 82244

قطر hamsalkhafi57@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة