يصدّر غازي القصيبي روايته (دنسكو) ببيت لشاعره الأثير: المتنبي. ويلي ذلك (تمهيد) ينعت الرواية بالقصة الخيالية، فيحرض القراءة على أن تتساءل عما إن كان ثمة قصة براء من الخيال، وبالتالي: عما إن كان للنعت بالقصة الخيالية من مطرح، إلا أن يكون من قبيل استباق القراءة المغرضة التي تطابق بين ما تقرأ ومرجعية ما، مما يدفع الكاتب العربي إلى نفي أية (واقعية) عن كتابته، على سبيل التقية.
لكن الأهم هو أن هذا التمهيد / العتبة لرواية (دنسكو) يعلن استراتيجيتها الكبرى بتوضيحه أن (القصة الخيالية) قد جرت في (منظمة دولية خيالية) اسمها الإنكليزي المختصر هو عنوان الرواية (Dansko)، أي هو الأحرف الأولى من، (Departement of archeology, natur, sociology, knouvldge, and orginization).
واسم هذه المنظمة بالعربية هو: إدارة الآثار والطبيعة والاجتماع والمعرفة والتنظيم. أما اسمها العربي المختصر فهو الاسم الإنكليزي المختصر عينه، فلماذا كان ذلك؟ هل هو تحريض (بالإيقاع) على استذكار القراءة لليونيسكو التي كان غازي القصيبي مرشحاً لتولّيها، فلما كان ما كان وملصت منه، كانت لنا هذه الرواية التي جعلت (اللاتعيين) استراتيجيتها، وخصّت الفضاء باللاتعيين. وهذا ما يعاجلنا به الفصل الأول، حيث ينهض تشكيل جغرافي روائي جديد للكرة الأرضية: القارة العظمى - القارة العذراء - القارة الجنوبية - قارة عربستان - قارة الفرنجة - قارة الروسلاند. ولن يكون المرء بحاجة إلى الشرح، ولا إلى القرائن التي ستسرع بها الرواية، كيما يتبين أن القارة الأولى هي القارة الأمريكية وأن الأخيرة هي روسيا والرابعة هي بلاد العرب. وكانت عربستان قد ظهرت بالاسم نفسه في رواية القصيبي (العصفورية) وتوزعت إلى عربستان 48 وعربستان 49 وعربستان 60 و... وسوف تعود رواية (دنسكو) إلى مثل هذا اللعب، ولكن بأسماء المستشارين، فهذا هو المستشار لشؤون قارة الروسلاند (نيكيتو فودكايين) ينادي الفودكا الروسية، وهذا هو اسم المستشارة لشؤون قارة الفرنجة (صوفيا بوردو) ينادي أوروبا، وفي الرواية أن هذه المستشارة تذكر البروفيسور روبرتو تشيانتي بصوفيا لورين.
مقابل الفضاء غير المتعين حددت الرواية زمنها بنهاية القرن العشرين، ابتداءً من يناير 1999 - كما روّست الفصول الثلاثة الأولى - إلى فبراير (الفصل الرابع)، إلى ما بين فبراير وأغسطس (الفصل الخامس)، إلى أغسطس (الفصل السادس)، إلى ما بين أغسطس وسبتمبر (الفصل السابع)، إلى سبتمبر (الفصول الثلاثة الأخيرة).
تبدأ الرواية في مكتب شخصيتها المحورية: البروفيسور روبيرتو تشيانتي، وهو المدير التنفيذي لدنسكو. ويستعرض الرجل في هذه البداية اللوحات الخمس التي تزين الحائط الأيسر من مكتبه، مقابل خريطة العالم التي تملأ الحائط الأيمن. أما اللوحات فهي: لوحة الآثار - لوحة الطبيعة - لوحة الاجتماع - لوحة المعرفة - لوحة التنظيم، فكأنما هي أقانيم دنسكو الخمسة. وعبر استعراض الرجل لها، يستعرض ما قدم للمنظمة خلال السنوات العشر الماضية، إذ أنقذها من إدارة سلفه، ونال من الجوائز الكثير: جائزة جورباتشوف تقديراً لجهوده في ترميم آثار القياصرة - جائزة فورد تقديراً لجهوده في تنقية الهواء من التلوث - جائزة مانديلا تقديراً لجهوده في تنظيم الأحزاب الديمقراطية - جائزة مايكل جاكسون تقديراً لجهوده في نشر المعرفة في القارة العذراء.. وقد انتهى استعراض كل لوحة إلى السؤال عما يستطيعه المرشح القادم المجهول / البطل / الفارس / الرجل العظيم، فصار السؤال إيقاعاً ساخراً، مما سيتكرر من حين إلى حين، ليرسم واحدة من علامات البناء الروائي، ولكن السخرية ستظل العلامة الكبرى، كما سنرى.
منذ البداية يتبين أن الولاية الثانية للبروفيسور تشيانتي قد أزفت، فالنظام لا يسمح له بولاية ثالثة. والحدث المحوري للرواية إذن هو انتخاب مدير جدير، ومحاولة تشيانتي الظفر بالولاية الثالثة المحرمة. إنها المحاولة التي تقودها سكرتيرته سونيا كليتور، فهي تعنفه على يأسه، وتحرضه بالسؤال الذي يذكر بالماضي: «هل تريد العودة إلى المختبر الكئيب في الجامعة الكئيبة؟» كما تحرضه إذ تقرر أن مكانه الطبيعي عند دفة قيادة العالم، مع رؤساء الدول، وإذ تخاطبه: أنت إنسان غير عادي (أنت إنسان عبقري) لست كالإمعات الذين سبقوك.
بالنسبة لسونيا، ليس من قرار غير قابل للتأويل والتفسير. لذلك ترسم السبيل للالتفاف على تحريم الولاية الثالثة على تشيانتي: إقناع كل قارة بتقديم مرشح، كي تتوزع الأصوات، ولا يفوز أي مرشح، فتنقاد الولاية ثالثة إلى تشيانتي. وبتطبيق خطة سونيا تتوالى مشهديات وحواريات وحبكات وشخصيات الرواية، بينما تتعزز السخرية كعلامة كبرى للرواية.
يتكون مجلس حكماء المنظمة من ممثلي القارات - لكل منها واحد - إضافة إلى الحكيم السابع الذي لا تنتخبه قارة بعينها، وهو من يرأس جلسات المجلس. وسوف يجلو لقاء تشيانتي نفسه برئيس مجلس الحكماء ما كانت عليه إدارة الأخير من الفساد، وما هي عليه علاقتهما من التوتر والتحدي، فلتشيانتي من المستشارين ما ليس لرئيس الولايات المتحدة (خمسون)، وهو يتجاهل مجلس الحكماء ويمضي مباشرة إلى (رئيس الاتحاد) في كل قارة، ويستنزف الميزانية بالمؤتمرات التي حرمها مجلس الحكماء فيما تبقى من ولاية تشيانتي، وسيلي سوى ذلك الكثير المذهل.
في خطوة تالية يلتقي تشيانتي بمستشاريه كي يقنع كلاً منهم بتقديم مرشح من قارته. وعبر ذلك تبدو بعض الشخصيات كقنوات لتمرير الحوار الذي يرسم، بخاصة، جوانب من شخصية تشيانتي. ولا تكاد تنجو من صفة (القناة) إلا شخصية شفيقة سمسم المستشارة لشؤون قارة عربستان، على الرغم من قصر دورها في المشهدية التي تجمعها بتشيانتي، وهي التي تخوض معركة يائسة ضد سونيا للفوز بقلب الرجل.
في المشهد الذي يجمع هذا المدير مع مستشاره لشؤون القارة العظمى بهرام ين ين - لاحظ الكنية - يؤدي (النوبة التمثيلية) فيصرخ بالمستشار: (أنا محرك التغيير. أنا الذي قلت في كل خطبة من خطبي إن التغيير قانون الطبيعة الوحيد الذي لم يتغير)، ويذكّر بأنه من أنشأ في المنظمة (وحدة التفكير في المتغيرات). ويبلغ بتشيانتي اصطناع الغضب والدهشة مبلغاً عندما يسوق المستشار ما يشاع من أن إدارة المنظمة معروضة لمن يدفع أكثر، فيصرخ تشيانتي: «دنسكو للبيع؟ هذه نهاية الحضارة. أوشك أن أقول هذه نهاية العالم. هذه الإدارة ضمير العالم. من يبيع ضمير العالم؟». وعلى هذا النحو تتبدى مقدرته على تغيير مزاجه من لحظة إلى أخرى، وتتقد مواهبه: موهبة التمثيل الرائع - موهبة تصديق نفسه وهو يردد أضخم الأكاذيب - موهبة إقناع الآخرين بتصديق الأكاذيب.
لا غرو إذن أن يكون هذا المدير الممثل المفضل لمستشارة شؤون قارة الفرنجة صوفيا بوردو، التي تذكره بصوفيا لورين. وسيكون مشهد لقائه بها سانحة ليؤكد أن إدارة (دنسكو) إدارة فرنجية (أوروبية) بمبادئ فرنجية، وميثاق فرنجي، وأجندة فرنجية. وإذ يقنع المستشارة بترشيح فرنجي للولاية القادمة يجاهر بأن ليس من المنطق أن تترك (دنسكو) تحت رحمة الأميين والجهلة والبدائيين.
ينعت روبرتو تشيانتي مجلس الحكماء بمجلس البلهاء، ويعقد ل (الجهاز) اجتماعاً. و(الجهاز) هو جمهرة المساعدين والمستشارين الذي يسلقهم بمحاضرته حتى تقاطعه سونيا لتبدأ المداولة بجدول الأعمال، فينتبه إلى أن الجميع باتوا يقاطعونه في الآونة الأخيرة، مع اقتراب انتهاء ولايته والاستحالة الظاهرية للولاية الثالثة. وستقاطعه سونيا ثانية إذ ترفع الجلسة بدعوى أنه مشغول، فيتساءل: (ماذا حدث لهذه المرأة؟ منذ متى كان أحد غيره يرفع الجلسة. أو يقترح رفع الجلسة؟).
تستبطن مقاطعة سونيا لمديرها ما سوف يتعزز مرة بعد مرة، إلى أن ينجلي في النهاية، وهو سلطة سونيا التي تتحدث عن الضغوط من أجل مرشح القارة العظمى للولاية القادمة، فتذكر مصادرها الخاصة، والمعلومات التي جمعتها وتعتقد أنها دقيقة جداً، مما يُذهل تشيانتي: (مصادرك الخاصة؟! سونيا! لم أكن أعرف أن لديك مصادر خاصة). وعلى أية حال، ما إن تبدأ القارات بتقديم مرشحيها حتى تنشط السخرية في الرواية.
وسونيا هي التي ستتحدث ساخرة عن العربستانيين الرومانسيين كالإيطاليين: (العربستانيون يحبون الشعر والليل والغزل والواحات والخيام. يتصورون أنه لا يصلح لهذه الإدارة إلا شاعر). ولذلك يكون مرشح عربستان شاعراً، لا ينطق إلا بالشعر، ولا يفتأ يردد شعر المتنبي كما يفعل البروفسور بشار الغول في رواية (العصفورية)، ولم لا، فغازي القصيبي شاعر، وصلته الوثقى بالتراث وبالمتنبي خاصة، لا تفتأ تشم كتابته، أياً تكن، مثلها مثل السخرية التي ستلون لغات رواية (دنسكو) بألسنة المرشحين لخلافة تشيانتي. فقارة الفرنجة ترشح ممثلاً شهيراً متخصصاً في تمثيل مسرحيات شكسبير، ولا يتحدث إلا بلسان شكسبير. والروسلاند رشحوا بروفسوراً متخصصاً في علم النفس، مصاب بشرود الذهن، وستتلون لغته بالعلم النفسي وبالمرض النفسي. كما سيلون جنون العظمة لغة مرشح القارة الجنوبية، وهو رئيس جمهورية سابق، يعتقد أنه أعظم إنسان في هذا القرن.
أما مرشح القارة العذراء فهو وزير مالية سابق، لا يتحدث إلا بالإحصائيات. ويبقى مرشح القارة العظمى الذي عجزت مصادر سونيا عن معرفته.
مع الفصل الخامس (الحملة الانتخابية) التي تستغرق ما بين فبراير وأغسطس 1999، تتسيّد السخرية في الرواية. ومن ذلك أن رئيس اتحاد القارة العظمى (رؤساء اتحادات القارات بلا أسماء) يلقن مرشح القارة وصيته: اسمع واصمت. اسمع ولا تنزعج. بينما نرى مرشح الروسلاند مع رئيس اتحاد الروسلاند، يتحدث عن ذكرياته في باريس، ويعد كتاباً عنوانه (جولة في أفكار جويس)، ويحب كجيمس جويس مقهى فوكيت، ويعاني مثله من ضعف البصر وإدمان الخمر و.. وينسى ماذا تفعل دنسكو.
إلى ذلك يرسم مرشح القارة العذراء مع مدير حملته الانتخابية والمتطوعين لها، استراتيجية الحملة: الإنترنت/ المثقفون/ الجمعيات غير الحكومية، ذلك أن زمان الدول ولّى، والمعلومة هي القوة. أما مرشح القارة الجنوبية فيصف (دنسكو) بالمنظمة التافهة، ويعد أعضاء حملته الانتخابية بالعودة إلى رئاسة البلاد بعد الفترة الدستورية الفاصلة بين رئاستين، سيتسلى خلالها ب(دنسكو) مطلقاً شعاره (60 رئيساً في 60 يوماً) لأن خطته أن يزور رؤساء الدول فقط، فهذا ما سيقوده إلى سدة (دنسكو)، وهو يتساءل كما يليق بالديكتاتور: (من أين يعثرون على إنسان له خبرتي؟ هل تعرف معنى أن يكون المرء رئيس جمهورية؟ معنى رئاسة الدولة أن تكون القائد الأعلى لنصف مليون عسكري. أن تتحكم في البلايين من الدولارات. هذه الإدارة، بعد الدولة، لا شيء غير نقطة في محيط. استطيع أن أديرها وأنا نائم. استطيع أن أديرها وأنا ميت).
وبالعودة إلى مرشح عربستان، تأتي سخرية مرشح القارة العذراء من الجولة العالمية الشعرية التي قام بها مرشح عربستان، حيث أحيا 84 أمسية شعرية. ويسرد مرشح القارة العذراء أنه قد ثبت إحصائياً أن 9% من الشعراء يضربون زوجاتهم و11% تضربهم زوجاتهم، و23% لا يحلقون إلا مرة في الشهر، و20 % لا يستحمون إلا مرة في السنة، و37% مصابون بأمراض جنسية مختلفة!! وقد سرت إشاعة قوية في مقر (دنسكو) تقول إن المرشح العربستاني فور ظفره بالمنصب سوف يلغي كلمة (ديمقراطية) من ميثاق الإدارة. وسينهي برنامج معرفة (السلام)، ويحل محله برنامج يسمى معرفة (الجهاد). إلا أن ما اتضح من بعد هو أن أنصار مرشح القارة العذراء كانوا وراء الإشاعة. وقد جاء في الحملة الانتخابية لهذا المرشح أن مديرها أوضح قصد المرشح من نفيه للفرق بين مخ الإنسان ومخ الشمبانزي، بقوله: (المعنى في بطن الشاعر)، فنفى مرشح عربستان أن يكون في بطنه شيء!
في هذا السياق الساخر تبرز استراتيجية سردية أخرى في رواية (دنسكو)، هي استراتيجية الخبر التي تنادي التراث السردي، كما تنادي اللغة الصحافية المعاصرة. هكذا تتكرر عبارة (سرت إشاعة قوية) أو عبارة (طلبت صحفية) أو (تلقى حكيم القارة) أو (صرح الصحافي).. وذلك في مفتتح الأخبار. ولهذه الأخبار يوقّع مثل هذه العبارة (شعر رئيس مجلس الحكماء بقليل من الدهشة وكثير من السرور)، وذلك لأن شركته وقعت عقداً ضخماً مع عميل يعمل لصالح شركات حديد وصلب كبرى، لا يستطيع الإفصاح عن هويتها. وليس ذلك غير خبر من أخبار الفساد في سياق تغطية أنشطة المرشحين، كما هو شأن حكيم القارة الجنوبية الذي تلقى مكالمة تليفونية من الشركة العقارية التي كلفها ببيع كوخه الجبلي في سويسرا، فأبلغته أن الكوخ بيع لشركة عالمية كبرى تنوي أن تستخدمه منتجعاً لاستجمام كبار موظفيها. وقد بلغ من حرصها على الكوخ أن اشترته بضعف السعر المعتاد، ف (شعر الحكيم بقليل من الدهشة وكثير من السرور).
قبل ذلك، وفي الفصل السادس (المدير التنفيذي) يتلون السرد في الرواية باستخدام ضمير المخاطب، حيث يخاطب تشيانتي نفسه طوال الفصل، غير أن المبالغة في تجزئة الجملة في هذا الفصل أورثتها الأذى، حيث سيقت علامة الترقيم (النقطة) جزافاً، وهذا مثل من صفحات: (أن تكتب شيئاً ما. شيئاً عفوياً).
يستعرض تشيانتي في الفصل السادس المفاصل الحاسمة من حياته النسائية. ومقابل هذا القطب (الجنس) يأتي القطب الآخر (السلطة)، فيتساءل تشيانتي عن الفرق بين إدمان المجد وإدمان الهيروين، أو الفرق بين إدمان الشهرة وإدمان الكوكايين. ولا ينسى تشيانتي القطب الثالث (المال) فيتساءل عن الفرق بين إدمان المال وإدمان النيكوتين.
في الفصل الثامن (المقابلات) تبدأ معركة الانتخابات بالاحتدام. فالمرشحون هنا يقابلون مجلس الحكماء الذي لا يفتأ تشيانتي يسلقه سلقاً، فيتحدث عن (دورة جديدة من دورات مجلس البلهاء التي لا تنتهي كأنها العادة الشهرية، تجيء بانتظام مصحوبة بآلام في المعدة وصداع شديد نصفي). وعلى نحو مماثل من النقد اللاذع الذي تعلنه وتستبطنه السخرية، يمضي فصل (المقابلات)، فنرى مرشح قارة الفرنجة يجيب عن سؤال حكيم القارة العظمى له عن المشكلة الأساس لمنظمة (دينسكو) بقوله: (إنها مثل مقعد الحلاق، أعدت على قياس كل مؤخرة). أما مرشح عربستان فلا يجيب عن سؤال إلا شعراً، ولا يوفر بيتاً في الفخر مما قالته العرب إلا جلجل به. ومثله مرشح القارة العذراء في استعراض مؤهلاته: الدكتوراه الفخرية من جامعة الغردقة (في حماية الطبيعة) ومثلها من جامعة استكهولم (في المعرفة) وأخرى من جامعة امستردام (في الجمعيات غير الحكومية) و.. لكن مرشح القارة العظمى يهز رأسه ويبتسم عند كل جواب على أسئلة الحكماء، والجواب يغدو لازمة تقول: (أنوي القيام بدراسة علمية دقيقة لتحسين الأداء) أو لتطوير الأداء أو.. حتى إذا سأل رئيس مجلس الحكماء هذا المرشح عن عدم إجابته عن سؤال لم يبرمج له: (هل أنت روبوت؟) أجاب المرشح: (نعم أنا روبوت ماركة 2001 نسخة طبق الأصل عن الإنسان). والرجل الروبوت مبرمج على عدم المزاح وعدم الكذب وعدم الرد على الضحك الجماعي... في موعده وقع الانتخاب. ومن دورة إلى دورة لم يحصل أي مرشح على الأغلبية، فكان على مجلس الحكماء أن ينتخب مديراً خلال 48 ساعة. وهنا تلقي الرواية بمفاجأتها الكبرى، فقد فازت سونيا بالإجماع، وهي التي تبلغ تشيانتي بالنتيجة، وتعينه كبير المستشارين.
هنا، ومع اقتراب الرواية من نهايتها، تنتأ فيها (نظرية المؤامرة). فسونيا تجد في شقتها المندوب المؤقت لدولة القارة العظمى رقم 40 - والإشارة هنا تذهب إلى الولايات المتحدة الأمريكية. لقد تسلل المندوب إلى الشقة ليباغت سونيا بقوله: (لقد اشتريناك. أصبحت ملكاً لنا. اشترينا جسدك وروحك. وعقلك. وهذه العمارة). ويبلغها بأنهما سيلتقيان في الشقة كل شهر، ليعطيها التعليمات، وعليها أن تطبق التعليمات بدقة.
عندئذٍ تدير سونيا (الرقم المألوف) لتتصل بإيزك وايزمن. ويفاجئها بأنه يعرف ما قال لها المندوب، ويبلغها بأن تلك الدولة رقم 40 صديقة وحليفة (وكنا نعمل، نحن وهم، معاً طيلة الوقت). ومثل ذلك المندوب (الأمريكي) ها هو صاحب الاسم اليهودي (أتراه إسرائيلياً أم صهيونياً أم يكفي أنه يهودي؟) يخاطب سونياً: (سوف أخبرك بما يتوجب عليك فعله. سأكون دوماً بجانبك). وهكذا ينجلي أخيراً أن سونيا ضالعة في المؤامرة الدولية الكبرى التي تحرك كبرى المنظمات الدولية كيف تشاء.
وتلك هي إذن رواية (دنسكو): فضيحة دولية مجلجلة، هتك للأستار الصفيقة المزيفة والخادعة في العلاقات الدولية. ولئن كانت الرواية قد تميزت بتشغيلها للسخرية وللخبر ولضمير المخاطب ولاستراتيجية اللاتعيين، فإن التوابل البوليسية والجنسية قد أبهظتها في غير مطرح، وبخاصة ما كان من المؤامرة في الختام.
سورية