Culture Magazine Thursday  05/03/2009 G Issue 273
عدد خاص
الخميس 8 ,ربيع الاول 1430   العدد  273
عقل نادر
سمير عطاالله

 

السادة الدكاترة الشعراء الدبلوماسيون الإداريون الروائيون النادرون

لعلني -أحياناً- أجيد الكتابة. ودائماً أحب الشعر. ودائماً أغرق في الرواية. وأمضي ساعات طويلة كل يوم أقرأ في التاريخ والسياسة ومتفرقات الدنيا. لكنني حتى الآن لم أحفظ جدول الضرب، ولست قادراً على فهم أي عمل حسابي ولم أحفظ من معادلات الجبر سوى واحدة. الأولى.

لقد خلقنا طبقات وفئات. كائنات غريبة يسيرها في الأرض مكون هلامي مذهل يسمى الدماغ، أو العقل. وهناك عقول نابغة في الأدب وأخرى في العلوم أو في الإدارة أو في الاقتصاد. ولذلك قسمت مناهج التعليم وفقاً لعطايا العقل. ومنذ عقود بدأ التعليم يقسم الطلاب إلى مذاهب دراسية حتى قبل بلوغ الجامعة. واضطر الفرنسيون إلى التخلي عن فخرهم الدراسي العريق، المعروف بالبكالوريا، التي تهيئ الطالب لكل شيء، وأعفوا عدماء العلوم والحسابيات مثلي من دراستها، وجعلوا الشهادة عدة شهادات متفرقة ومتخصصة، ما بين الآداب والاقتصاد وسائر العلوم.

هناك فئة قليلة جداً من الناس، تنبغ في كل شيء. أولى في الآداب وأولى في الجبر وأولى في الإدارة وأولى حيثما حلت هي أولى. وفي الماضي كان الدكتور زكي مبارك يسمى الدكاترة زكي مبارك.

وغازي القصيبي الشاعر والروائي والإداري والمفكر والكاتب السياسي هو عقل نادر في تعدده وتنوعه. وعندما تتعدد المواهب في رجل ينخفض بعضها ويرتفع آخر. لكن مواهب غازي القصيبي مثل مرتفعات كليمنجارو. وعندما يشعر المرء أنه على هذا القدر من الموهبة يميل إلى إهمال الاجتهاد، لكن غازي القصيبي ناسك من نساك الوقت وحارس من حراس العمل والكد والاجتهاد والعطاء وأستاذ كبير قد يعرف عدد الذين تخرجوا على يده، لكنّ أحداً منا لا يعرف عدد الذين تتلمذوا عليه أو عدد الذين ثمنوا ذلك، وأنا من الفئة الأخيرة. وسوف أبوح بسر فيه الكثير من الأنانية وهو أنني كلما عرفت أنني سألتقي السادة الدكاترة غازي القصيبي، أهيئ في نفسي عدداً من الأسئلة، وأهيئ نفسي لإصغاء مدرسي في الأدب والسياسة والفكر.

لا يتوقف غازي القصيبي عن التعليم والأستذة، ولا نكف نحن عن التعلم كلما اجتمعنا إليه. بحر بلا جزر. يندفع في الحياة عاملاً ومجتهداً، وخصوصاً يتقدم كمبدع في كل مكان. وبعض العباقرة يظلمون فلا تعرف الناس قيمتهم الحقيقية. لكن الناس تطلب غازي القصيبي بإعجاب كبير وتقدير تام. كتبه تُباع كالمسك، وأمسياته الشعرية تجتذب الأجيال ومواقفه السياسية والاجتماعية والأخلاقية لها مريدون في كل مكان. عندما التقيت الدكاترة غازي القصيبي للمرة الأولى، سفيراً في لندن، قدم لي يومها بعض كتبه. وعندما عدت إلى البيت فتحت الدفتين لأقرأ الإهداء. وشعرت بغبطة كبيرة. لقد منحني السادة الدكاترة مرتبة جيدة. يا لها من لجنة أساتذة نادرة المثال.

باريس

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة