غازي القصيبي شخصية مميزة جمعت، وبشكل شديد التماسك، بين الفكر المستنير والإبداع في عطاءاته الشعرية والأدبية، كلما قرأت له شعراً تشعر أنك وجدت آلامك وآمالك، إحاطاتك وطموحاتك، وكأنك ترى أن غازي القصيبي سبر غور كيانك ليعبر عن جذور وعيك تمهيداً لصيرورة رؤاك.
في مجمل ًإسهاماته الأدبية ومن خلال شفافية الأداء وسلامة النهج وصدق الالتزام القومي والإنساني يضيء غازي القصيبي لمن يتلقف المعنى في مضمون المزيج من عواطف وتجارب واستقامة الرؤى لذا غازي القصيبي قد نفذ إلى معاناة من ينتمي إليهم وكذلك أدرك الحاجة الملحة للخروج والتحرر وبالتالي تعزيز ثقافة الانفتاح.
صحيح أنه في المناسبات التي تعرفت من خلالها عليه لأكثر من ربع قرن كانت علاقتي بعطاءاته الأدبية الثرية خاصة البعد التحريضي لجوهر رسالته القومية أقل مما كنت أرغبه لكن بقيت كلما (حبكت) معه وعبر بأسلوبه الخاص عن تمرد ملهم أو وصفا دقيق للتحديات التي واجهت أمتنا العربية - وما أكثرها - وكأن أواصر علاقة أبقتني متجاوباً - وأحياناً متحمساً - لتعبيره الفذ عما كنا ولا نزال نعتقد أنه مطلوب حتى تبقى الامة بمنأى عن ضغوط لا تزال بكل أسف سائدة.
لابد في هذا المجال أن أسجل أن هذا الإنسان الأصيل قد يكون أساء فهمي حين قدمت استقالتي من جامعة الدول العربية عندما عجز العرب في قمة القاهرة 15 آب 1990 إيجاد حل عربي كنت قد دعوت إليه والذي لم يحصل.
ان أستاذنا غازي القصيبي دعاني مع المرحوم ادوارد سعيد في مقال له بجريدة الأوسط إلى (الانتحار) كوني دعوت - وفشلت - في الدعوة لمحاولة إيجاد حل عربي.
الواقع انه بعد إدانتي الواضحة لغزو نظام صدام حسين في اليوم نفسه الذي حصل فيه هذا العدوان، ولما كان مجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية اتخذ قراراً لعقد قمة في القاهرة لمعالجة هذا العدوان سعيت مع البعض لصياغة (حل عربي) لعلنا ولعلنا نجنب الأمة الكوارث التي سببها هذا الغزو الخارق لميثاق الجامعة وللقانون الدولي، بل - وقد يكون هذا الأهم - خرق الشرعية القومية العربية التي أشارك الأستاذ الكبير غازي القصيبي الالتزام بها، إلا أن سوء التفاهم في تلك الفترة تفهمته جيداً وأستطيع التأكيد أني تعاطفت مع دوافع الصديق غازي القصيبي، ولكن لابد من التذكير أني لم أعلق على ما ورد مستوعياً دوافعه المتميزة بالصدق والغضب الصحي.. وأعتقد بعد مرور الزمن أن معالي الأستاذ الوزير والأديب تفهم دوافعي مثل ما تفهت الأسباب التي جعلته ممتعضاً من موقفي. كما أني قابلته بعد انقطاع وكان دفء الاستقبال أعاد اكتشاف وحدة التزامنا مع متابعتي التقدير والإعجاب لهذه الشخصية العربية لا المميزة فحسب بل الممتازة.. كما ديمومة إلحاحي له الإكثار من إثرائه للثقافة القومية بكافة تجلياتها مع خالص المحبة التي أكنها له ولعائلته الكريمة. ولا بد من الإشارة إلى أن غازي القصيبي أديبا (وشاعرا ومفكراً ودبلوماسيا وسياسياً مميزاً) وفي كل الظروف، مدمن الالتزام بوحدة الأمة وسلامة أهدافها برغم العراقيل التي بقي الكثير منها مستعصيا على الحلول لكن كلما تعقدت القضايا في الحالة القومية كلما ترسخت قناعاته المبدئية وتعزز إصراره على نجاعة الالتزام ورجحان الحضارة الإسلامية الكفيلة تصحيح ما أصابنا من نواقص.
شكراً (للجزيرة) التي أتاحت لهذه الشهادات بحق إنسان يعزز مسيرة الوحدة والتقدم.
واشنطن