إن غازي عبد الرحمن القصيبي، بجانب كونه إدارياً ملماً بعمله، وشاعراً كبيراً، هو أيضاً رجلٌ يمتاز بسرعة البديهة والظرف، وسوف أورد له في هذه العجالة جانباً صغيراً من ذلك، مما يدل عليه.
سأله أحدهم -وقد كان غازي- وزيراً للصناعة والكهرباء، يقول له:
أشعارك الأخيرة فيها الكثير من الصنعة والصناعة؟.. فرد عليه في الحال: فيها كهرباء شوي!!
وزرته -وقد كان سفيراً للملكة في البحرين- في يوم العيد الوطني للملكة العربية السعودية.. وكان قد فاجأنا بلحية صغيرة أو مشروع لحية.. وعندما جلستُ بالقرب منه، أعطاني ورقة صغيرة... وسمعتُ قبل مرور ثمانٍ وأربعين ساعة أن غازي، غيّر رأيه، وحلق اللحية الصغيرة.
ماذا كان في الورقة الصغيرة؟ أربعة أبيات من الشعر هي:
لا بُدَّ للشاعر من لحية
تُعْلِنُ للناس ذهاب الهوى
عذر الهوى كان جنون الصبا
الشيب للشيب فما باله
تنبئ في الخمسين عن عُمْرهِ
وحُلْوه أكْثَر من مُرهِ
فأطبق الشيبُ على عذرهِ
في شعره دبَّ وفي شِعْرهِ
وقد بدأتُ أنا ملحمة اللحية الشعرية.. وتوالت بعد ذلك قصائد الرثاء من شعراء البحرين.
ما رأينا قبل هذا ..
مثلما لحية غازي..
وُلِدَتْ ذات صباحٍ
لحيةٌ ريح الليالي..
ما سعى مشطٌ أنيقٌ
لا ولا شمّت بخوراً
لو على اللحية يُبْكى؟..
قُتِلَتْ من غير ذنبٍ..
لحيةً عاشتْ قليلا
لم تدمْ عمراً طويلاً
واختفتْ عنّا أصيلا
لم تر العيش الجميلا
في ثناياها مُجيلا
وارتوتْ عطراً أصيلا
لبكيناها عويلا ..
رحم الله القتيلا...
أذكر مرة، وقد كنت في المغرب، أنني قرأتُ في جريدة الشرق الأوسط، قصيدة للدكتور غازي، يُعاتب فيها حفيده (فهد) الذي جعله يصير جداً ومنها هذا البيت:
أتَجْعلني جداً؟.. وأيُّ مليحةٍ..
تهيمُ بجدٍّ .. لا سعادٌ ولا هِنْدُ
وقد بعثت بعد فترةٍ لنفس الجريدة، ومن الرباط، عاصمة المغرب، بالأبيات التالية:
صاحبي من أوَّل الدرب، لَقَدْ أبْعَدْت جِدّا لم يزل في العمر فضلٌ
أعلى الخمسينَ تبكي؟! وهيَ منها العمرُ يَبْدا
سوف تبقى ذلك الشِبْلُ وإنْ أصْبَحْتَ جَدّا
مثلُ ماءِ الكَرْمِ لمّا
عتّقوه .. زَادَ وَعْدا
ساحرَ الشِعر الذي
يَنْثُرُ أزْهاراً وَوَرْدا
المليحاتُ على العَهْدِ
وإنْ أظْهَرْنَ صَدّا
لم تزلْ تُبْهرُ ليلى..
بقوافيك وسُعْدى
لم تَزَلْ تَمْتلكُ الحَفْلَ
تُحيل القَوْل شَهْدا
فتصيرُ النارُ بَرْداً
ويعود الثلجُ وَقْدا
إنّك المبدعُ لا يَنْفَذُ
طول العمرْ نِدّا
فهنيئاً لك فهدٌ..
وغداً يُهْديك (فَهْدا)
-
البحرين