نعتقد أن ما قدمناه عن الأديب والسياسي غازي القصيبي في هذا العدد من دراسات وشهادات، طرح الكثير من الرؤى والقضايا النقدية المتعددة من وجهات نظر مختلفة، استدعت تواصلا مع عدد من الباحثين والنّقاد والسياسيين والإعلاميين توزّعوا على مساحة 24 بلدا حول العالم.
واللافت أن كثيرا ممن تواصلنا معهم أكدوا أنهم لم يلتقوا القصيبي إلا عبر نتاجه الأدبي والفكري، وهذا ما نعتبره إنجازا للمجلة الثقافية التي تدخل بهذا العدد عامها السابع.
في هذا العدد تحضر ثقافة الاختلاف بأبهى صورها، حيث ساهم في هذا الملف روائيون يختلفون مع الشكل السردي والتّقني لرواية غازي القصيبي، وكتب شعراء لا يتفقون مع البناء الشعري والفني لقصيدة القصيبي، كما حضرت آراء سياسيين اختلفوا معه في تقييم الموقف السياسي حيال قضايا كبرى غيرت مجرى الواقع العربي، ورغم هذا الاختلاف ثمة إجماع على أن غازي القصيبي (بكر زمانه).
كذلك لابد من التنويه إلى أنه رغم تنوّع المادة التي يضمّها هذا العدد، إلا أن هناك شهادات من روائيين وشعراء بارزين لم تصل بسبب الظروف التي أحاطت بهم، وهنا تحضر مرارة غيابهم، والأمانة تقتضي التنويه تقديرا ووفاء لما قدموه للثقافة العربية، حيث كانوا على علاقة جيدة بروح هذا العدد.
أذكر منهم قمر روايتنا العربية الأديب الراحل الطيب صالح الذي بدأت معه التواصل خلال زيارتي إلى لندن لدعوته إلى المساهمة في هذا الملف، ثم أكمل وصلنا معه فيما بعد الزميل الراحل حسن ساتي، حيث ذكّره الطيب صالح بتلك الأحاديث الشيّقة عن المتنبي ورفاقه التي جمعته بالراحل الشيخ عبد العزيز التويجري والدكتور القصيبي.
وثمة مُحب آخر حاول أن يُقدّم شهادته، لكن ظروفه الصّحية حالت دون ذلك، إنه الشاعر المخضرم محمد الفيتوري الذي يقيم اليوم في الرباط، بعد أن ابتعد عنه رفاق الأمس، ولا يلقى الرعاية إلا من رفيقة دربه (زوجته) التي تُحيطه بكل اهتمام.. فلها وله كل التقدير.
و تحية أخيرة لابد من توجيهها إلى حسن ساتي الذي رحل مُستعجلا قبل أن يتمم وثائق ال 1977 التي اشتغل عليها طويلا...غفر الله ل أبو علي الذي كتب نصّا لم يكتمل عن غازي القصيبي السياسي...ولعلني اليوم أستذكر مع لوعة غيابه دندنة ممدوح عدوان :
إننا ننهض عن مائدة العمر ولم نشبع.... تركنا فوقها منسف أحلام... نحن أكملنا مدار العمر فرسانا... وقد متنا شبابا.
الجمع ليس سهلا...شكرا غازي القصيبي لأنك جمعتنا وقلما نجتمع !
مكتب الجزيرة – دمشق