هذه هي المدن التي سفحت فيها دموعك الأولى وحلمت فيها بالحرية والجمال. نعم هذه هي البلاد
هذا هو الوطن العربي التائه
بين خرائط ومسافات.
أي لعنة مخبّئة بين ضلوعنا
أيُّ صرخة يتسلّقها جوعي ومقاتلون في حروب عبثيّة؟
أيّ كوكب يتداعى في الرأس
بمثل هذا العتوّ والانهيار؟
أيّ قطار مندفع في براكين الدم
تشيّعه النظرات الوجلةُ
ليتلاشى في هباء الدخان
أي قارب يضمحل في هيجان الغروب؟
إن هذه الحمرةَ التي تصبغ أفقَ العالم هي دمي
إن هذا الغبارَ اللذي يسدّ منافذَ الكون،
ليس ذاك القادم من المرّيخ
إنه رفاتُ موتاتي
وأحلامُ أجيال مزّقها الثُكْلُ
ودمّرها الطوفان.
وهذا الصراخ المتفجرّ من فوّهات غامضة
هو صراخ أطفال يولدون.
ماذا تبقى في زاوادة الراعي
يهشُّ الغَنَم في السفوح
ماذا تبقى من ضوء لنجمة
تستهلّ نشيدها بالبكاء؟
أم تُرى أن الدمعَ تحَجَّر في المآفي
كعجوز نسيتها الأزمان؟
أي طريق أكثر رأفةً لهذا الحتف المحيق
أي طريق أكثر اختصاراً
للابادة والإمحاء؟
لقد أنجز الجلاّدون الطريقَ والخارطة،
أولئك القادمون من عصور الفظاظة والظلام
وتركوك في قلب المذبحة جريحاً ، ترفسُ تحت هول الانتظار
شاخصين الأبصار نحو غيمة جفَّ ضرعها
تدير الرأس عن أي استغاثة أو أنين.
(أنتم أبناء الأرض رتبّوا أموركم
على هواكم ، حلوا عن سمائي
لم أعدْ أحتمل فظاعاتكم وغباءكم)
تقول السماء وهي تظللُّ المذبحة
بظلال قليلة شاحبة، تعبر حدَبَة
الأرض المتقيئة كدبْرة حمار تحتله الأشباح والذباب.
حسناً:
ها أنت في البلاد التي لا تزال تحلم بالعودة إليها
وما زال الحنين يأخذك نحو وجوهها الألف
والحدائق المعلّقة في الغبار
من طريق المطار شعرت بالحمّى
تعصف بعظامك المتعَبَة من طول الرحلة،
وعلى باب العمارة التي نشأتَ في ظلّ أشجارها ،
يقف (السيكلوب) ذو العين الجهنميّة
ملوّحاً بالترحيب والسلامة.
تمضي في الشارع لا تحس إلا بروائح موت قادم
قَتَلة وشحاذون يجوبون الساحات
عربات معبئة بالجثث والحيوانات.
تذهب للسهر في المطعم الذي
تبدّى كجُحْر حّيات نافقة
تتلوى تحت وقع النميمة والقُتام
ولا عزاء ينقذك من هذه الأشداق المفتوحة على الحطام.
في الصباح التالي تستيقظ مع رأس يتطوّح بعيداً
عن جثته الهامدة.
عُمَان