* يروى عن شيخنا الراحل أبي تراب الظاهري 1343 - 1423 -عليه رحمةُ الله- أنه سُئل عن أحد المنتديات الثقافية الخاصة فأجاب: (إنه هرطقةٌ يتبعها عشاء).
* حكم قاس لانتفق معه؛ ففي بعض هذه المنتديات حوارات ومكاشفات، واحتفاء بمن يستحق من الشخصيات، وربما احتاج بعض مشاهدها إلى وجود معايير صارمة لاختيار المتحدثين وتكريمهم كيلا تفقد المناسبة وهجها، وتصبح مجرد وجاهة اجتماعية لا يأبه بمدلولها ومردودها من وعى المسؤولية الثقافية المعنية بمحاكمة القيم، ومساءلة السائد، والتطلع للتغيير.
* وسواء أَتفقنا مع جانب من رؤية أبي تراب أم اختلفنا معها فإن في الضفة الأخرى منتديات رائدة نائية عن الوجاهة والشكليّات، ومن أبرزها أحديّة المبارك وثلوثية شخصية زاوية التوقيع هذا الأسبوع.
* محمد سعيد طيب 1939- مثقفٌ بامتياز، قدم لنا- حين كان مسؤولاً عن تهامة (وهي شركة ربحية)- مستوى نشر متفوقاً لم نعهد مثله إلا قليلا، وكان من أول إنتاجهما (الشركة وأبي الشيماء) سلسلة الكتاب العربي السعودي، فقرأنا بعض أعمال حمزة شحاتة وابن خميس وزيدان ومغربي وفاتنة شاكر والعواد والسباعي وقنديل وزمخشري وآخرين، بمحتوى متميز وإخراج رائق وهيئة راقية.
* يتفرد الأستاذ محمد سعيد طيب بأسلوبه الكتابي الجميل وإن لم يجئ ناعماً، والحاد وإن لم يُر متحيّزاً، والمكثف ما نحتاج معه إلى قراءة ما وراء السطور، مع أن ميزة (أبي الشيماء) أنه لا يتوارى ولا يُورِّي، لكنها مفردته المُوحية، وقلمه العميق.
* يحسب أبو الشيماء في طليعة التيار الليبرالي، لكنه لا يكفُّ عن انتقاده، وينسب إليه أنه قال: إن مدعي الليبرالية كثيرون لكن معظمهم (دشير)، هكذا بالعامية أي منحلون بالفصحى، وحتى لو لم يقلها؛ فهذه مشكلة تيار التبست فيه الحرية بالفوضى، والانطلاق بالانفلات، واندس ضمن المنادين به مجموعٌ من الحفاة الجفاة الذين يرونه خروجاً على الثوابت ورفضاً للضوابط، وحاشا أبي الشيماء الذي يُشهد له سجال موضوعي هادئٍ مع الإسلامويين، وقال عن أحد المشايخ: لم أجد فيه إلا النبل والشهامة وقدرة مؤهلة على الفهم وحرصاً على المصالح العليا للأمة.
* بمثل هذا الوعي ننجو من التصنيف والتزييف؛ فالدين والوطن ثابتان لا مساس بهما، والاختلافُ حولهما هو من أجلهما لا ضدهما.
* أبو الشيماء والأستاذ عبدالله فراج الشريف ونحن معهما سعيدون بإصدار أعمال أستاذ الجيل عبدالله عبدالجبار في طباعة أنيقة، وحين يهنئه الثقافويون بهذا التميز فإنه يرجع الفضل لمجموعة العمل، وللأستاذ أحمد زكي يماني الذي قدم لهم ميزانية مفتوحة، وللأستاذ إياد مدني الذي هيّأ لهم فضاء رقابياً مفتوحاً، وهكذا الكبير يقدر الكبار، والقائد يدرك دور الفريق.
*الطيب عملة نادرة.