إعداد - محمد المنيف:
ليس منا إلا وله أثر بعد عين، كلمة طيبة أو فعل محمود تجعلنا دائما في ذاكرة الآخرين وليس هناك أجمل من أن نذكر محاسن موتانا في وقت ليس لنا فيه قدرة على الوفاء معهم إلا بالدعاء بالمغفرة والرحمة.
أيام قليلة وتبدأ الفعاليات التشكيلية التي قامت بها المكتبة العامة بتبوك تكريما للفنان التشكيلي الراحل ناجي السحلي تنفيذا لفكرة تقدمت بها الأستاذة سارة البلوي ووجدت الدعم والتشجيع من قبل مشرف المكتبات بمنطقة تبوك الأستاذ خالد سعيد أبو هتله والمساندة من عدد من الجهات الرسمية والخاصة في منطقة تبوك لتكريم فنان رحل عنا قبل عامين، فكرة تستحق الشكر لمن سعى إليها كونها تعيد الضوء لمبدع قدم جهده ووقته للارتقاء بذائقة مجتمعه من خلال إبداع لا يقل بأي حال عن الإبداعات الأخرى الشعر أو الرواية، بل قد يكون الأسهل في الوصول إلى قلوب الناس دون عناء فهو لغة تقرأ بالوجدان لا تحتاج لمترجم، ولهذا ففي هذه المناسبة الرائدة المتمثلة في تكريم ابن من أبناء الوطن الغالي يمنحنا فرصة للدعاء له مع ما يمكن القيام به له من التذكير بجهوده التي لم يكن ينتظر عليها في حياته إشادة أو تكريما لشعوره الصادق بأن ما يقوم به يعد من واجباته الوطنية، وقد كان بالفعل محقا في تقديره وهدفه.
مبدع غاب عنه الإعلام
لم يكن ناجي السحلي اسما غريبا أو مجهولا على الساحة فقد مر اسمه كثير على أعين المتابعين ولفت الأنظار بعطائه ولوحاته في المعارض التي شارك بها في منطقته أو في خارجها؛ إلا انه لم يحظ بالإعلام الذي كان مستحقا له، مع أن إبداعه لا يقل عن الآخرين في مختلف مناطقنا الغالية بل يوازيهم وينافس الكثير منهم لكن الأمر يتعلق بدور الآخرين تجاهه خصوصا المعنيين بالإعلام، وأنا هنا لا أتهم أحداً بعينه فأنا منهم مهما بعدت المسافة، ومن المؤسف أن يأتي اعتذارنا منه بعد رحيله ومن المخجل أيضا أن يأتي تكريمه لكاتب هذه السطور ممثلا في الدعوة للمشاركة في الندوة المصاحبة لمعرضه في وقت كنا مقصرين معه في حياته، مبدع ملأ منطقته بإبداعاته حتى تردد صداها في قلوب كل من يزور منطقة تبوك خصوصا المجسمات الميدانية التي توزعت في الوجه وفي تبوك إضافة إلى لوحاته التي يشارك بها في المعرض تلقى فيها شهادات التقدير بلغت أكثر من ثلاثين شهادة ودروع تكريم.
ناجي السحلي.. إدراك ووعي بالإبداع
ما تبقيه كل وسيلة من وسائل التعبير تشكل أثرا إنسانيا وشهادة على ما أكرم الله به الإنسان من نعمة العقل الذي شكل نبوغ وعبقرية بنت الحضارات وأبدعت في كل مجالاتها التقنية والفكرية صناعة وأدبا وبناء ويأتي الإبداع التشكيلي كإحدى هذه النعم بما يجمعه في ثناياه عبر مزيج بين العقل واليد وبما يستنتجه الوجدان من هذا المزيج.
والمشاهد لأعمال الراحل ناجي السحلي يمكنه أن يستعيد فهم العملية الإبداعية في أي من النتاجات الإنسانية التي تمر بمراحل عدة منها من الانفعال لمؤثر سقط على العين أو سمعته الأذن وتفاعل معه العقل منتقلا إلى أهم حالات التشكل وهي القلق أو التوتر لينتهي إلى فعل يخرج للآخرين عبر أي من وسائل التعبير ومنها الفن التشكيلي بكل فروعه لتأتي مرحلة لا تقل بأي حال عن سابقاتها، إن لم تكن الأصعب والمتمثلة في الخوف من بياض اللوحة أو كتلة الطين أو الحجر أو الحديد بما تشكله من فضاء كبير يستوعب كل عناصر الحياة، ليبدأ الحوار المباشر بينه وبين الفنان الذي يغويه هذا اللون أو تلك الكتل التي تبعث فيه الإحساس بالتحدي - والبحث عن سبل التوفيق بين شعوره بالخوف ووصوله إلى مراحل المتعة والانتهاء بالانتصار - ليعود من جديد لحالات القلق من جديد الناتج عن حوار الفنان مع ذاته بحثا عن فكرة أو صيغة جديدة . قلق عند البحث عن الفكرة وقلق عند تنفيذها وقلق يسبق رأي الآخرين بها.
وعندما نشاهد أعمال الفنان الراحل ناجي السحلي فإننا سنخرج بحقيقة لا يمكن الاختلاف عليها بأنه فنان متمكن من أدواته، مثقف في مجاله يعي معنى ما تتضمنه أعماله ورموزه ودلالاته اللغة التي يفهم قراءتها، ويبحث عن سبل محو أمية الآخرين تجاهها، لغة تنطلق من العين لرسم المسار وتحديد محور الرؤية، مهما اختلفت التأويلات التي منها الاعتماد على الظاهر دون العمل على استكشاف الإيحاء الذي يمكن المشاهد من تحليل العلاقات بين عناصر العمل (الشكل) أو (التعبير). فالفنان ناجي مدرك لكيفية التعامل مع التقرير المعني به (الظاهر) في ما يشاهده على الواقع والإيحاء وهو ما بعد الشكل ويعني (الباطن) من خلال تفكيك ما يتلقاه الفنان، ومن ثم تحليله وتشريحه في معمله الوجداني بثقافة ووعي يسبقان توقعات الآخرين ليصل به كأثر فنّي بأبعاد فلسفية جديدة، رموزا ودلالات كما اشرنا سابقا، فالفنان الراحل كان باحثا عن حقيقة الشكل ومدركا لكيفية إعادة صياغته بنمط وشكل جديد يتوازى مع ثقافة عصره بعيدا عن النمطية أو التسجيلية أو التقليد ومنها على سبيل المثال مجسم الطائر البحري أطلق عليها اسم (الاستمرار) ولوحة (العبارة). كما يحسب للفنان الراحل قدرته على مد جسور صلبة في أساسها سهلة الفهم من قبل المشاهد، وبذلك حقق وصول ما يعنيه في خطابه التشكيلي إلى المتلقي عبر أعماله المتعددة بين الرسم والتصوير الزيتي وتشكيل الأعمال الميدانية والتصوير الفوتوغرافي.
بوح وعبارات صادقة
في حوار لم أتمكن من مصدره أو أن أشير لمن قام به مؤملا أن أجد صاحب الحوار لأمنحه حقه الأدبي يقول الفنان ناجي:
- كنت ولا زلت أعشق الطبيعة وأحلق في فضاءات الجمال فالبيئة الطبيعية بمدينة تبوك مخزن الوجوه العابسة تحولت إلى أشكال إبداعية.
- حصدت المركز الخامس آسيوياً للتداعيات من الصحراء إلى الجبل إلى الأودية التي تستيقظ من سباتها مع أول (رشة) لمطر الوسمي.
- معجب بأعمال الفنان العالمي سلفادور دالي وهو بمثابة إمبراطور السريالية في العالم.
أمنية هل تتبناها المكتبة العامة.
بطاقة الفنان
ولد عام 1379هـ وتوفي 27-12-1428 بمحافظة الوجه، تلقى تعليمه الابتدائي والمتوسط بالمدرسة السعودية بالوجه، التحق بمعهد التربية الفنية بالرياض وتخرج عام 1402هـ، عمل بالإدارة العامة للتعليم بمنطقة تبوك حتى عام 1422، التحق للعمل في مركز الإشراف التربوي بالوجه، شارك في العديد من المعارض على المستوى المحلي والدولي، حصل على العديد من شهادات الشكر والتقدير والاقتناء من داخل المملكة ودول الخليج ودول آسيا منها: شهادة شكر وتقدير من مدارس العليا الابتدائية بالرياض عام 1403 بمرحلة التربية العملية، شهادة تقدير من المديرية العامة للشئون الصحية بمنطقة تبوك لمشاركته بالمعرض العالمي لعام 1406، شهادة تقدير من الرئاسة العامة لرعاية الشباب لتفوقه بالمعرض العام التاسع لمناطق المملكة في الفنون التشكيلية لعام 1408، شهادة تقدير من مكتب رعاية الشباب بتبوك لاشتراكه في معرض الفنون التشكيلية لعام 1409، شهادة تقدير من الرئاسة العامة لرعاية الشباب لحصوله على جائزة اقتناء في المعرض العام الحادي عشر لمناطق المملكة والذي أقيم بمدينة الدمام بالمنطقة الشرقية لعام، شهادة تقدير من الرئاسة العامة لرعاية الشباب لحصوله على جائزة اقتناء في المعرض العام الثاني عشر لمناطق المملكة والذي أقيم بمدينة الدوادمي لعام 1414هـ، شهادة تقدير ومشاركة من الهيئة العامة للشباب والرياضة برئاسة الشيخ محمد بن عيد آل ثاني لمشاركته في المعرض العاشر للفنون التشكيلية ومسابقة التصوير الضوئي لشباب دول مجلس التعاون الذي أقيم بالدوحة عام 1415هـ، شهادة تقدير من الرئيس العام لرعاية الشباب ورئيس الجمعية العربية لبيوت الشباب لحصوله على المركز الثالث في مسابقة المعرض الفني لبيوت الشباب عام 1416هـ، شهادة تقدير من الرئيس العام لرعاية الشباب ورئيس الجمعية العربية لبيوت الشباب لحصوله على المركز الثاني في مسابقة المعرض الفني لأعضاء بيوت الشباب بالمملكة لعام 1417هـ، شهادة تقدير من مكتب الرئاسة العامة لرعاية الشباب بتبوك لمشاركته في الأنشطة الثقافية لأندية منطقة تبوك لعام1418هـ، شهادة تقدير من النادي الوطني الرياضي بتبوك لمساهمته في النشاط الثقافي التشكيلي لعام 1420هـ، شهادة تقدير من مكتب الرئاسة العامة لرعاية الشباب بتبوك لمشاركته في الأنشطة الثقافية لأندية منطقة تبوك لعام 1423هـ، شهادة شكر وتقدير من بعض مدارس محافظة الوجه لمشاركاته العديدة في الأنشطة الطلابية لهذه المدارس منها : مدرسة المهلب بن أبي صفرة الابتدائية لعام 1423هـ، مدرسة الوجه الثانوية لعام1425هـ، مدرسة أبو أيوب الأنصاري المتوسطة، شهادة شكر وتقدير من بلدية محافظة الوجه لتعاونه في تصميم وتنفيذ الأعمال الجمالية في المحافظة (مجسمات مميزة على شواطئ البحر)، شهادة شكر ودرع تقدير من إدارة مكافحة المخدرات بمنطقة تبوك لتنفيذ معرض للتوعية بمحافظة الوجه لعام 1428هـ، شهادة شكر وتقدير من قسم مرور محافظة الوجه لجهوده ومشاركته في أسبوع المرور الخليجي لعام 1428هـ، تبني أكثر من (40) شابا موهوبا، تم اختياره من قبل بلدية محافظة الوجه لتحسين مداخل المحافظة بالمجسمات الجمالية المستوحاة من البيئة المحلية.
قام بتنفيذ لوحات جدارية مساحتها إلى (50) مترا مربعا وهذه اللوحات رغم ما بها من ملامح سريالية.
توفي رحمة الله ومازالت ينابيع العطاء في داخله لم تنضب، رحمه الله واسكنه فسيح جناته.
monif@hotmail.com