يظن بعض الباحثين في علم الأدب والمعرفة الشعرية، وبعض النقاد ممن خولتهم الأنا الاستعراضية العليا في أفكارهم المعرفية، التنقيب في بحور الآخرين من كبار شعرائنا وأدبائنا في العالم العربي، واستخراج بعض نتاجهم وعرضه تحت مجهر التمحيص والتحليل في اتجاهات سلبية معتقدين أنهم بهذه الاكتشافات وهذه (الكولومبوسية) إنما ينيرون لنا دروب رؤى كانت خافية علينا، بينما في الحقيقة هي ليست بأكثر من أزقة لا تفضي إلا إلى التجريح في من هم كانوا وسيظلون في أرشيف الذاكرة، وإن أصابت سهام هذا الباحث المنقب والمحلل، أو اكتشافات ذاك الناقد بعضاً من حقائق في ملفات الكبار، وتحت جناح ذرائعهم بتحليل نصوص روائية لعظيم من روائيينا، أو مبدع من شعرائنا، والاشارة إلى اختلاسات بعض المفردات أو ربما كلمة مصاحبة لحرف جر أو مسبوقة بواو العطف ليشهق ناقدنا مسترجعاً في ذاكرته (شهقة أرخميدس) ويبدأ في تدوين ملامح الاستلهام بين المتهم - من وجهة نظره - وبين من سبقه في اقتحام حصون الخيال وقلاع الأدب، فهم بذلك يرتفعون بقاماتهم التحليلية وأعناق نقدهم في تطاولهم على أولئك العباقرة.. والغريب ألا يفرض هذا السلوك نفسه إلا بعد رحيل أصحاب النصوص تلك؟!!... للأسف الشديد، أجد في نفسي غضاضة من هؤلاء المتحذلقين، ولاسيما وهم يقارعون تاريخاً طويلاً لإبداعات عظمائنا، وكأنهم يتشفون بحصيلة اكتشافهم الغث. وللأسف الشديد هذه الظاهرة تتجلى دائماً وتتفوق قي دوائرنا المحلية فيسعى هؤلاء المتحذلقون بكل طاقة مدمرة إلى النيل من رموزنا الأدبية والتي كانت دائماً أسمى من أن يتشفى بها خصوصاً بعد رحيلها والأخص إذا كان المتهم في قامة المبدع الغائب (عبد الله الجفري).
أقول هذا بعد قراءتي لدراسة نقدية عن مجموعة (الظمأ) للغائب الحاضر عبدالله الجفري، لناقد قد ألمت به كل نظريات الشكوك المتضخمة دائماً التي أحاطت بنا على الدوام كمجتمع يحاول النهوض والرقي والتقدم، فالناقد لم يستخدم محاور دراسته إلا في محاولات النيل من إبداع أحد رموزنا المتطلعين نحن دائماً إلى شموخ قاماتهم الإبداعية.. ما يثير استغرابي أن هذا الناقد من المشتغلين في الحراك الثقافي والأدبي في المملكة منذ زمن بعيد ومجموعة (الظمأ) للجفري نشرت عام 1400هجري.لما ذا لم يكتب عنها طوال الثلاثين عاماً الماضية؟ وهنا يحضرني تساؤل بريء: لمَ في مثل هذه التوقيتات تظهر مثل هذه الدراسات النقدية، وترمي (ظلال) وجعنا على ضفاف القيظ؟!..
ماالذي تضيفه لنا دراسة مثل هذه؟
إنها دراسة تحمل اتهامات واضحة وجلية، وتحاول أن تنتزع عن تاريخ الجفري عباءة إبداعه الخاص والفريد لناقد مشبوب بقدرته على التجريح الضمني يسعى لدفن الآثار الأدبية للكاتب القدير عبدالله الجفري، حينما يسعى لتحويله من كاتب خلاّق بخياله وجنوحه للإبداع، إلى مجرد متأثر بني على أنقاض إبداع الآخرين صروح إبداعاته!!..
ما الذي يضيفه الناقد هذا بتعرية مبدعنا العظيم بعد رحيله، وكشف لحائه الأدبي بهذه الجرأة واقتحام عوالمه بمشرط قاسي الحدود، ولاسيما وأن النزف لن يكون إلا لنا، بعدما أصبح المعنى في ذمة الله.. والخالدين؟!
فريال الحوار