جبير بدوي من صحراء (يبرين) تحضر حديثاً وصار في يده ريالات بعد أن عمل في تلك الشركة الكبرى في منطقته. عامل حفر في هذه الأرض الممتدة في قلبه لأنه الوحيد الذي يعرف أن عظام جده مدفونة فيها بعد أن تاه في الصحراء وترك حلاله وأغنامه نهباً للأغراب! دائماً يسمع من حوله يتحدثون عن لندن أنها مدينة جميلة ونظرة لا تشبه هذه الصحراء الموحشة، فما كان منه إلا أن توكل على الله وسافر إلى بلاد (الساكسون) على الطائرة.. غادر مركبته ودخل المدينة وأجال بصره وحدث نفسه هاهو مترو لندن شهادة كاملة على زحف التجاعيد إلى وجه الحضارة.. على الأقل في تفكير بدوي ترجل عن الجمل للتو وجبير بحق رمح صحراوي مل من الاتكاء على أطلال الأيام البائدة حدثوه طويلاً عن المدن التي تذرف الدموع لموت قطة صغيرة بينما الإنسان في نصف الأرض تقريباً يولد ويموت دون شهادة ميلاد أو وفاة بل إن الموت مشغول عنه حتى أطراف الأصابع!
وجد نفسه أخيراً في لندن وانحدر إلى باطن الأرض بلا هدف فهو إنما جاء ليقرأ هذه المدينة الفاتنة من الأمام ومن الخلف ليرى قدرة أولئك الأصدقاء في فنون الصدق والأكاذيب!
ربط جبير آثار الشمس والغبار في إحدى الزوايا تماماً كالناقة! ومد بصره على طول الأرصفة وواجهات الزجاج واشتعلت في جبينه حرائق الأسئلة ولو أطاعه صوته لصرخ كطفل غاصت بلحمه أنياب الكلاب.
هاهو بالقرب منه إنسان بلون التراب يسعل إنسان مصدور من الركض والفحم والوجوه القاسية إنه هو يتحول إلى جثة باردة بلا نظرة رثاء من أحد!
صرخ جبير بلا صوت أهذه هي الحضارة؟ يموت من يموت ولا أحد يريد أن يقف ليقول كلمة واحدة.
سوف يأتي عمال النظافة غداً ويحملون ما على الأرصفة أليس له قبيلة؟! ضحك من نفسه. قبيلة ولو بدائية ترفض هذا العار الحضاري.. أيها الأصدقاء أحييكم من مترو لندن من رصيف الحضارة المثلجة وأسألكم حفنة من الشمس.. تدفيني.
هامشة:
ابتسم للحياة حتى تبتسم لك.. واتبع القول المأثور إنك حقاً لا تستطيع أن تمنع طيور الهم من أن تحلق فوق رأسك ولكن حتماً تستطيع أن تمنعها من أن تعشعش داخلك!
****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5064» ثم أرسلها إلى الكود 82244
الرياض