Culture Magazine Monday  05/01/2009 G Issue 265
فضاءات
الأثنين 8 ,محرم 1430   العدد  265
مستقبل الفلسفة في السعودية
منصور بن عبد الله المشوح

 

يتخوف الكثيرون من أبناء جلدتنا من الدخول إلى عالم الفلسفة، ويحذِّرون غيرهم من مغبة الاقتراب منها؛ يتهامسون دائماً فيما بينهم بأن الفلسفة هي بداية الإلحاد، وبأنها تهدف باستمرار إلى التشكيك في الدين، يعلنون أمام الناس أجمعين بأنها أحد أسباب الجنون والهلوسة؛ ويقذفون كل من يتعلمها بالزندقة، مستحضرين الأثر القديم (من تمنطق فقد تزندق).

ونتيجة لذلك التهويل العظيم فقد أعلن (الإفتاء) عدم جواز تعلمها، فَمُنِعت الفلسفة حينئذٍ من دخول المدارس، وعُزلتْ عن شبابنا تماماً، وضيِّق على كل من يتعلمها، أو يُعلِّمها، فلم يتبق لهم إلا أن يبحثوا عنها خارج الوطن إن أمكن، أومن خلال الكتب.

إن هذه الحال التي عليها نحن، هي نفس الحال التي عانى منها الأوربيون في القرن الخامس عشر، حيث تم حرق أعداد من الفلاسفة، وتمَّ سجنُ آخرين، وبعد قرنين من الزمان، جاءهم الفرج، وصاروا يقابلون بدلاً من ذلك بالترحاب والتصفيق والتصفير.

علينا بالصبر، وفقط، فالصبر هو مفتاح الفرج، والأيام التي نعيشها تختلف كثيراً عن أيام القرن الخامس عشر، فنحن لن نصبر قرنين من الزمان كما صبروا، وإنما صبرنا لن يستغرق سوى بضع سنوات قليلة، فما يمكن إنجازه سابقاً في ثلاثين سنة صار اليوم ينجز في سنة واحدة أو أقل، إن هذا العصر هو عصر السرعة..

ترى هل سيتخلى السعوديون الوزراء والعلماء والشعوب عن عدائهم للفلسفة، وإذا تم ذلك، هل ستشهد المملكة العربية السعودية، طفرة فلسفية في السنوات القليلة المقبلة، بعدما عانت من ركودٍ استمر مئات السنين؛ إن من حقنا أن نتساءل كثيراً عن إمكانية ذلك، لأن الدولة تتجه الآن صوب التقدم بخطى ثابتة، ولا يمكن لها أن تتقدم بطبيعة الحال ما لم تتصالح مع الفلسفة، وأول فئة يتوجب عليها توقيع صلح مع الفلسفة هي وزارة التربية والتعليم .

إن وزارة التربية والتعليم لم تدرك بعد ضرورة انضمام الفلسفة ضمن مناهجها، ولن تؤمن بضرورة ذلك حتى تعرف ضرر تخلف شبابنا عن تعلمها، وهذا الضرر يتمحور في أن الناشئة السعوديون باتوا يتلقفون الآراء الفلسفية بشكلٍ عشوائي، وبطريقة بعيدة كل البعد عن المرجعية السليمة ومن دون أن تكون لهم مرجعيات موثقة، فتجد، بطبيعة الحال، هؤلاء المساكين يدلفون إلى منتديات الإنترنت، التي تهتم بالفلسفة كهواية، ويبدؤون بتلقي الدروس عنها، وقد تكون هذه المنتديات، مع كل أسف، ممن يروج للإلحاد! إن على الوزارة أن تقف وقفة مملوءة بالحكمة، إزاء ذلك، حيث السنوات القادمة، ستشهد كثيراً من التطورات الثقافية، لا سيما في مجال الفكر الفلسفي تحديداً، وهو ما يدفعني، هنا، إلى التحذير من تداعيات ذلك. إن على وزارة التربية والتعليم، أولاً، وقبل كل شيء، أن تزيل من مخيلتها ذلك الكابوس الذي يُدعى الفلسفة، فالفلسفة ليست كابوساً كما نظن، هي طريق إلى الإيمان، وهي طريق هداية، فالفلسفة ليست ضد الدين، كما أكد ذلك، بالدليل، أبو حيان التوحيدي صاحب الإشارات الإلهية، من خلال كتابه المعروف: (الإمتاع والمؤانسة)، وابن رشد الفيلسوف الفقيه، عبر كتابه الشهير: (فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من الاتصال)، والشيخ نديم الجسر، مفتي طرابلس ولبنان الشمالي، من خلال كتابه (قصة الإيمان بين الفلسفة والعلم والقرآن).

Maam1396@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة