النعت وصف لاسم سابق، ويكون حسيًّا كبيان هيئته من طول أو قصر أو حسن أو قبح أو حلية أو عاهة، أو لون، وقد يكون غير حسيّ كبيان أثره في النفس كمؤنس أو موحش، محبوب أو مكروه، أو حال هو عليها مثل ذكي أو غبي، أحمق أو عاقل. ويساق النعت لمطلق الوصف أو للمدح أو الذم، ويأتي للترحم أو الإشفاق على المنعوت، أو للسخرية. أو لأغراض أخرى يريد المتكلم بيانها. ويسمى النعت والمنعوت بالمركب النعتي لأنهما كاللفظ الواحد لشدة تضامهما، ومن أجل ذلك التضام والتلازم كان النعت تابعًا في إعرابه لمنعوته؛ فيرفع إنْ رُفع وينصب إنْ نُصب ويجر إنْ جُرّ. ولكن هذه التبعية تتخلف، وهذا التضام يُكسر من جهة اللفظ لا المعنى؛ إذ نجد نعت المرفوع منصوبًا، ونعت المنصوب مرفوعًا،ونعت المجرور مرفوعًا أو منصوبًا، فهو نعت من حيث المعنى ولكنه مخالف للمنعوت في علامة الإعراب، نجد هذه الظاهرة في باب المبتدأ والخبر(شرح ابن عقيل،1: 255) حين مثّل للمبتدأ المحذوف وجوبًا، قال: (النعت المقطوع إلى الرفع في مدح، نحو(مَرَرْتُ بِزَيْدٍ الكَرِيمُ)، أو ذمٍّ، نحو (مَرَرْتُ بِزَيْدٍ الْخَبِيثُ) أو تَرَحُّم، نحو: (مَرَرْتُ بِزَيْدٍ الْمِسْكِينُ)، فالمبتدأ محذوف في هذه المُثُل ونحوها وجوبًا، والتقدير (هو الكريم، وهو الخبيث، وهو المسكين). وجد النحويون أنفسهم أمام لفظ مرفوع بعد منصوب أو مجرور، ولمّا كانت نظرية العامل هي منطلقهم أرادوا البحث عن عامل أحدث الرفع، والبصريون منهم خاصة يحتفلون بالعامل اللفظي ولذا ألزموا أنفسهم بتقدير مبتدأ محذوف، وقالوا بوجوب الحذف؛ لأنه لا يجوز استعماله مذكورًا، ولم يسمع كذلك. والحق أنه لو ورد به السماع لكان المبتدأ وخبره جملة جديدة، ولم يعد من سبب المنعوت ولا هو بنعت له. وأحسب أن القول بوجوب الإضمار لا تدفع هذا الإشكال؛ إذ لا يصح أن تكون للفظ وظيفتان في آن، فيكون نعتًا وخبرًا، وإن يكن لمبتدأ محذوف، وليس أمر المحافظة على سلامة العوامل اللفظية بأهم من رعاية المعنى وإقناع العقل؛ فالوظائف النحوية لها علامات؛ ولكن هذه العلامات ليست بضربة لازب، فالأصل فيها أن تتحقق ولكنها قد لا تتحقق لأمر صرفي يتعلق باللفظ المعرب، كأن يكون منتهيًا بحركة هو نفسه، أو يكون محكيًّا بصورته الجامدة، وقد تتغير هذه الحركة بسبب دخول عوامل أخرى تغير الألفاظ لا الوظائف؛ فالفاعل مرفوع في الأصل؛ ولكنه إذا تقدم على فعله قد يتعرض للجر برب نحو (ربّ رجلٍ زارك)، أو النصب بإنَّ، نحو(إنّ محمدًا أكرمك)، وقد تتغير العلامة لأمر معنوي وهي التنبيه إلى النعت، فحين ترفع ما يتوقع نصبه أو جره يتنبه السامع للمفارقة فينصرف ذهنه إلى موضع تلك المفارقة. ويقال هذا في النعت المقطوع إلى الرفع، نحو (جاء زيدٌ الكريمَ) فالزعم بأن الكريم مفعول به لفعل مقدر وهو (أعني) لا ضرورة له، وهو يجعل الكريم بوظيفتين الأولى كونها نعتًا لزيد والآخرة كونها مفعولاً به للفعل أعني، والصواب أن نفسر النصب بالمخالفة لأجل التنبيه، ليس إلا. قال تعالى قالوَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ(المسد:4)، قال السمين الحلبي (وقرأ العامةُ حَمَّالَةُ بالرفع. وعاصمٌ بالنصبِ فقيل: على الشَّتْم، وقد أتى بجميلٍ مَنْ سَبَّ أمَّ جميل) (الدر المصون،15: 10). والذي ننتهي إليه أن النعت المقطوع نعت خالف متبوعه في العلامة الإعرابية مخالفة لفظية لا تركيبية للتنبيه، فليس خبرًا لمبتدأ ولا مفعولاً لفعل.
****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«7987» ثم أرسلها إلى الكود 82244
الرياض