قال لي أديب غني، أبوه غني، وأمه غنية، وجيرانه أغنياء: أنا أغار من الأدباء المفلسين.
فقلت له: والأدباء المفلسون يغارون منك حتماً مثلما تغار منهم.
قال: أنا لا أمزح. أنا أغار منهم فعلاً.
قلت: أقلية تغار من أغلبية.
قال: المفلسون مرتاحون من متاعب كثيرة لا يعرفها سوى الأغنياء فقط.
قلت: والمفلسون أيضاً يعانون كل يوم وليلة متاعب يتمنون أن يعرفها الأغنياء.
قال: يرغب المفلس في شراء حذاء، فينتقي الحذاء الذي يتناسب مع إفلاسه ولا يحتار أية حيرة.
أما الغنيّ الذي يريد شراء حذاء، فعليه أن يختار حذاءه من بين آلاف الأحذية المتنوعة الماركات.
قلت: كأنك تنويّ أن تحسد الحفاة أيضاً وتدعي أن أصحاب الأقدام الحافية من الأدباء هم السعداء في الدنيا والآخرة ومرشحون دائمون لنيل جائزة نوبل.
قال: المفلس لا يبالي بالخسائر والأرباح لأنه لا يخسر ولا يربح.
قلت: ما يبالي به المفلسون لا يبالي به الأغنياء.
قال: إذا دخل مفلس إلى مطعم فخم لا يبادر الخدم الطامعون في البقشيش إلى تطويقه بريائهم.
قلت: دخول النار بالنسبة إلى الأدباء المفلسين أسهل من دخول المطاعم الفخمة.
قال: وإذا وافقت امرأة على الزواج من أديب مفلس، فهيّ توافق لأنها معجبة بشخصه ومواهبه لا بجيوبه الملأى، وتوافق على الزواج منه لأنها مستعدة لأن تشاركه حياته لا لأنها طامعة في أن تشاركه أمواله أو تسطو عليها.
قلت: المفلسة تتزوج مفلساً وتندم، والغنية تتزوج غنياً وتندم.
قال: والمفلس يستطيع بثقة أن يصنّف معارفه إلى أصدقاء وأعداء.
أما الغني، فالجميع في أعوام اليسر أصدقاؤه المغرمون به، ولكنهم في ساعة الشدة يتحوّلون أعداء وشامتين وحفاري قبور.
قلت: لا ينقصك غير أن تحسد المفلس لأنه يموت.
قال: ومن زعم أني لا أحسده على موته؟ يموت المفلس، فيحزن أهله، ويموت الغني، فينهمك أهله في جمع المعلومات الدقيقة حول إرثه تمهيداً ليوم التوزيع.
قلت: هل تقترح أن يصبح الأغنياء فقراء؟ قال: أقترح أن يصبح الفقراء أغنياء حتى يخلو قلبي من الغيرة.
قلت: ما تقترحه يتناقض مع الغاية الخفية لما يسمى بالمجتمع الدولي، وهي إفقار الفقراء.
لندن