Culture Magazine Monday  05/01/2009 G Issue 265
أوراق
الأثنين 8 ,محرم 1430   العدد  265
بشائر المطر..!
الشعر بين الإبداعية والإبلاغية
هيفاء بنت راشد الحمدان

 

عتبة:

بينما تجري الساعات والأيام لاهثة، أظل أترقب بصمت، وأتأمل بعمق، وأصغي ثم أصغي لحكايات الزمن..

ها هو العام يطوي كتابه، بعد أن أهدانا أفراحه وأتراحه.. وكان مما أهدانا بلاغاً إعلامياً اسمه منتظر..!

فهل كان منتظر من بشائر المطر..؟)

الشعر بين الإبلاغية والإبداعية:

منذ أن هلهل الشعراء الشعر، وترنموا به، أدركوا جيداً خطر ذيوعه وانتشاره، فليس إلا أن يسرج الشاعر قصيدته ثم يلكزها لكزة واحدة، لتشق مهامه الريح، وتذرع أحياء العرب جيئة وذهاباً..!

فقديماً كان الجاهلي يغني:

فلأهدين مع الرياح قصيدة

                                             مني مغلغلة إلى القعقاع

ترد المياه فلا تزال غريبة

                                            في القوم بين تمثل وسماع

لم يكن الجاهلي بحاجة إلى أن يرفع عقيرته ليعلن بأعلى صوته: عن النظرية الفيزيائية التي تقول: إن الصوت ينتقل عبر ذبذبات الهواء..! فقد كان فيزيائياً بالفطرة.

ومن ذلك الحين وهو يهدي القصائد مع (الرياح) دار النشر المفضلة له..!

وهكذا كان الشعر خطاباً بلاغياً إخبارياً بادئ الأمر، فحين يقع الجاهلي في الأسر أو تضيق به السبل، يطلب النجدة بأبيات شعرية إما أن يرقشها على رحل دابته فيرسلها، أو يحفظها أحد العابرين، كي يصل البلاغ الشعري قومه؛ ليهبوا لنجدته..! لقد كان الجاهلي مراسلاً إعلامياً محترفاً، يلتقي بلاغات الأيام، ثم ينشرها شعراً، وهو يعلم أنها لا تزال ستفيض إليه بالمزيد، فيردد:

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً

ويأتيك بالأخبار من لم تزود!

وما لبث الشعر أن تحرر من وظيفته البلاغية إلى الإبداعية المطلقة، فأنشدت الدنيا معه أغاني الحب والأمل، وتراقصت القصائد على نغماته الجديدة في أبهى حلة، وأجمل نظام.

بشائر المطر!

لكن شاعراً ما تسلل إلى ديوان الشعر الجديد ليدس رسالة شعرية إبلاغية، ويعقد في قلبه أمنية، أن تصل إلى قلب يفهمها ويعيها، فيعمل بمقتضاها.

كتب الشاعر رسالته الإبلاغية في قالب إبداعي مموه:

حين وقفت بباب الشعر

فتش أحلامي الحراس

أمروني أن أخلع رأسي

وأريق بقايا الإحساس

ثم دعوني أن أكتب شعراً للناس

فخلعت نعالي في الباب

خلعت الأخطر يا حراس!

هذا النعل يدوس

ولكن..

هذا الرأس يداس!!

وبعد ما يقرب من أربعة وعشرين عاماً، تصل الرسالة إلى مراسل إعلامي ليس بشاعر، لكنه وربي شاعر بآلام أمته، متحرق ألماً وحزناً على مآسيها التي عمت وطمت، فوعى الرسالة وفهمها.

وقف منتظر بباب الممر المؤدي لصالة المؤتمر، فما فتش أحلامه الحراس، فلو فتشوها لبادروا إلى خلع رأسه بدلاً من أن يطلبوا ذلك منه، وما أمروه أن يريق بقايا الإحساس، بل أرجأ ذلك إلى ما بعد انتهاء المهمة، فأراقوا دمه، وما طلبوا منه أن يكتب للناس شعراً، لأنه سطر لهم ملحمة في الإباء، ولأنه فهم الرسالة جيداً ما خلع الأخطر عند الباب، بل خلعه في اللحظة المناسبة وفي المكان المناسب، ليثبت أنه الأخطر.. لكن الرأس كان يداس.. ويركل أيضاً..!

فهل نسجل بذلك عودة للشعر إلى وظيفته الإبلاغية على يد الشاعر أحمد مطر..

وهل كان منتظر الزيدي يعي بالفعل الرسالة الموجهة من الشاعر الثائر أحمد مطر؟

هل توحدت دماء الثورة في عروق الشاعر الثائر والمراسل الثائر..؟

جملة من التساؤلات تنهمر كلما أعدت النظر في قراءة مقطوعة أحمد مطر، وتردد في سمعي قوله محذراً:

خلعت الأخطر يا حراس!

1- ديوان الشاعر العراقي أحمد مطر: (لافتات)، 1984م.

* محاضر بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن

 haneeen4000@hotmail.com


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة