قد لا أكون مثل غيري من المثقفات ممن أصابتهن الدهشة مما قاله عبد المحسن القحطاني فيما يتعلق بحق المثقفة في رئاسة النادي الأدبي، فهو يرى أن المثقفة لا تستحق أن تصل إلى رئاسة النادي، معللا ذلك (بضيق أفق المرأة وتكوين شخصيتها الذي لا يساعدها على ذلك، وأنه أكثر من أعطى المرأة حقوقها الأدبية، وأن النساء يفضلن رئيسهن رجلا على أن تكون امرأة تضيق عليهن).
لم أصب بالدهشة لأن عبد المحسن القحطاني رجل بدوي في المقام الأول قبل أن يكون مثقفا ومعايير الأمور عنده تنطلق من تلك البداوة التي ما زالت تؤمن بالتمييز ضد المرأة، إضافة إلى المغالطات التي غلبت على ما قاله القحطاني. أعتقد أن الحكم على قيمة ومستوى أفق الإنسان يعود إلى قدرته على التفكير والتخطيط والعطاء والإنتاج والتغيير، لا إلى نوعه الجنسي، لكن القحطاني يخالف هذه القاعدة الموضوعية عندما يربط قيمة ومستوى أفق المثقف بنوعه الجنسي، ليؤكد أن المرأة ضيقة الأفق لدفع التوهم في المقابل أن الرجل عكسها، وهذا تمييز سافر ضد المثقفة، وقد أثبت من خلال هذا القول أنه هو من يتصف بضيق الأفق لا المثقفة؛ لأنه يتجاوز الموضوعية.
وعلى مستوى آخر لم نر أي شواهد دالة على أن المثقفين الرجال عندنا بما فيهم رؤساء الأندية قدموا للمجتمع أي خطط باهرة للتنمية الثقافية أو أي فتوحات ثقافية يستند عليها المنطق في أن المثقف الرجل أوسع أفقا من المرأة المثقفة.
وأعتقد أن هذا الكلام عندما يصدر من مثقف ورئيس ناد في منطقة المرأة فيها رائدة في كل المجالات على مستوى البلاد، عيب في حقه كمثقف بدأنا نشك في مصداقية هذه الصفة، ونقول (الله يذكرك بالخير يا عبد الفتاح أبو مدين)، فالمثقف رأي ورؤية قبل أن يكون لقبا، ولا أدري إن كان هذا الرأي لعبد المحسن القحطاني يشير إلى عقدته من تفوق المرأة، أو جهل منه لقيمتها أو سوء تقدير منه لدورها، أو عجزه عن التخلص من تخلف المرجعية البدوية؟.
كما أن هذا الرأي أظنه يتنافى مع القاعدة الرئيسة التي أعلنها الدكتور السبيل (أن الوزارة لا تفرق بين الرجل والمرأة، والحديث عن الثقافة حديث عن الإنسان)، فبينما الوزارة تحارب التمييز ضد المرأة، يؤكد القحطاني وجود ذلك التمييز، ولا أدري كيف أفسر هذا التقاطع بين قول السبيل وقول عبدالمحسن القحطاني، وأرجو ألا يكون التفسير الصحيح أن رؤساء الأندية الأدبية لهم دستورهم الثقافي الذي لا شأن له بدستور الوزارة، وأن ما تعلنه الوزارة يظل حبرا على ورق.!
على العموم الجزء الثاني من هذا الموضوع سيتناول حيثيات اللقاء الأخير لرؤساء الأندية الأدبية واللوائح.
ثم ماذا يقصد القحطاني بتكوين شخصيتها؟ الشخصية هي (جملة السمات الجسمية والعقلية والانفعالية والاجتماعية الموروثة والمكتسبة التي تميّز الشخص عن غيره) وتلك السمات هي خصائص تمييز بين الأفراد سواء الرجال أو النساء، ولا تفرقهم، وبما أن تلك السمات تخضع في نهاية الأمر لظرفيات اجتماعية عامة فتأثيرها في الأفراد متساو، بصرف النظر عن رجل أو امرأة، فالرجل والمرأة في المجتمع السعودي كلاهما يتعرضان لنفس الظروف التي تساهم في تكوين شخصيتهما، والدليل على ذلك أنهما يتساويان في مضمون الإنتاج الثقافي، وهذه المساواة تعني المشاركة في نفس التأثر والإزاحة، كما ويجب أن نفرق بين الظروف والأشكال الاجتماعية؛ لأن الشكل الاجتماعي لا يؤثر في تكوين الشخصية، ولا أظن أن القحطاني بأفقه الممتد يستوعب هذه النقطة.
والنقطة الخطيرة أن القحطاني يربط تكوين شخصية المرأة بضيق أفقها، وهذه سطحية في التفكير، تحمل خلفية عبارة رجل الشارع المتخلف...؛ لأن ضيق الأفق من وسعه لا يتعلق بالتكوين الفسيولوجي للمرأة إن كان هذا ما يشير إليه، بل يتعلّق بالمكتسب القرائي والتفكيري وهما أساس الثقافة وفيهما يتساوى المثقف والمثقفة.
ثم إن رئاسة النادي لا تحتاج إلى شخصيات عبقرية التكوين وفذّة وصاحبة مشاريع تنويرية، فرؤساء الأندية الآن أغلبهم من مثقفي الدرجة الثانية والثالثة والرابعة وأغلبهم لا يملك أي مشروع ثقافي تنويري، ويعرف الجميع الأسباب الحقيقية وراء فرضهم على الأندية.
كما أن رئاسة الأندية ليست قناة لصناعة القرار الثقافي حتى تتطلب شخصيات بكفاءة فائقة، ولن تصبح كذلك في زيّها المحكوم والدليل رؤساء الأندية الحاليون الذين يفتقد بعضهم كفاءة، تتميز بها الكثير من المثقفات.
أما تفضيل المرأة أن يكون رئيسها رجلا، كما ادعى القحطاني، فهو استنتاج لا ندري إن كان قائما على بحث ودراسة واستبانات، ولو كان كذلك يا ليت يزودنا به من باب الاستفادة، أم أنه مجرد وجهة نظر لعبد المحسن القحطاني، وإن كانت وجهة نظر، فتعميمه عيب آخر في حقه كأستاذ جامعي ومشرف على رسائل علمية، ويعلم أن تعميم استنتاج من غير بحث ودراسة خطأ علمي.
ثم إن ادعاء عبد المحسن بأنه أعطى المرأة حقوقها الأدبية، ادعاء غير صحيح، ولا أدلة عليه، فالصالة النسائية في نادي جدة هي من إنجازات عبد الفتاح أبو مدين، وتفعيل دور المثقفة في النادي بدأ في عهد عبد الفتاح أبو مدين فماذا فعل عبدالمحسن القحطاني للمثقفة سوى أنه سار على ما رسمه عبدالفتاح أبو مدين، لأنه لم يكن يستطيع أن يمحو آثار أبو مدين، وفي نفس الوقت لم يضف لما قدمه أبو مدين أي شيء حتى الآن، ومن لا يستطيع أن يقدم أي إنجاز لا يستطيع بالمقابل أن يمنح حقوقا لغيره لا يملك مكتسباتها.
فليس للقحطاني أي فضل على مثقفة جدة خاصة، على العكس فالمثقفة هي التي قدمت الفضل له لأن تفاعلها المستمر مع النادي، هو ما ميّز نادي جدة عن غيره من النوادي الأدبية، والتمييز يحسب لصالحه في النهاية.
ومن يؤمن بأن المرأة ضيقة الأفق وضعيفة تكوين الشخصية لا يؤمن بحقها الثقافي، فإنفاء القيمة يؤدي إلى إنفاء الحق في تقدير تلك القيمة.
وأخيرا، أعتقد أن القحطاني عليه أن يقدم اعتذارا للمثقفة عن كلامه السابق، أما لو غلبت (بداوته) على (شجاعته الأدبية) فلا تملك المثقفة سوى الاقتداء بتعاليم الأدبيات الإسلامية (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما).
****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة«7333» ثم أرسلها إلى الكود 82244
جده