إعداد - عبدالحفيظ الشمري
الروائية الحالمة.. المميزة في طرحها السردي رجاء عالم (تلك المتقنة دائماً فن البوح الإبداعي على هيئة رواية عصرية تعيد ترتيب الصور القديمة في الذهن الذي بات يتهاوى بسرعة عجيبة، فلم يعد قادراً فيما يبدو على اختزان أي ملمح إنساني فبات يتجاهل الصور المبهجة، ولم يعد يأبه بالحزن والألم، فقد عنيت الروائية رجاء عالم ومن خلال عالمها السردي بتفاصيل المكان حتى باتت تصور لنا حياة مكة المكرمة؛ قديمها وجديدها بشكل مدهش، يحقق معادلة المتعة والفائدة، فها هي في (طريق الحرير) و(سيدي وحدانه) و(ستر) وأعمال أخرى تصهر لنا الحكاية وتقولبها حتى تحولها بمهارة إلى مشغولات جمالية معبرة ومدهشة، لتأتي مكة القديمة محققة لشرطية الحضور الضروري الذي دأبت الكاتبة رجاء على استحضاره وتدوينه بشكل احترافي يعكس ما تتمتع به من حس إبداعي ينهل من معين الأرض المباركة.. حتى باتت (رجاء عالم) و(مكة) عالمين متقاطعين بجلال الجمال، فالمرأة التي عنيت بتفاصيل حياتها والمدينة المقدسة بقيمها الخالدة استحوذا على المشهد الجمالي العام..
لم يكن حضور (مكة - المكان) في إبداع رجاء عالم الروائي عابراً، أو هامشياً أو وعظياً، إنما جاء مدهشاً بعصريته وعذوبته حتى أنك لترى مجاورة الحرم المكي وقد أضحت عوالم عجيبة الأطوار، وشديدة التحولات في زمن باتت القيم الجميلة مجرد رمز من رموز الماضي الخالد في الذاكرة.
الصورة القديمة عن مكة المكرمة في الذهن تزداد وضوحاً كلما قرأت عملا من أعمال رجاء عالم.. فهي المدينة المهد، والمنبت الأول للرسل والأنبياء عليهم السلام بل هي التي تحتضن المسجد الحرام، قبلة المسلمين جميعاً.
فالمدينة المقدسة تزداد قدسية في أعمال الكاتبة في (طريق الحرير) و(سيدي وحدانه) و(ستر) بل هي ملهمة هذه الإنسانة التي نشأت في البيئة المكية حتى باتت تؤكد لنا ودون مواربة أن مدينتها هي (عمق الكون) بحق.. فلا تترك أي شاردة او واردة إلا وتبين التفاصيل الجمالية الشيقة عن مكة وحكايتها في الوجدان الإنساني منذ الأزل.
فما يلاحظ على تعلق رجاء عالم بالمكان المقدس هو أنها تعتني في تقديمه للقارئ بشكل شيق قد لا تجد له مثيلاً، فتعلقها بواقع الحياة المكية لم يكن عادياً وعابراً، إنما جاء على هيئة عشق مؤثر وفاعل زاد من جماليات الوصف في أعمالها حتى يدرك أن الكاتبة شغوفة فعلاً ببناء سلطة المكان وتقديم رؤية جمالية وإنسانية يمكن أن نركن إليها في الكثير من التأملات.
تقدم رجاء عالم مشروعها الروائي إلى القارئ من خلال جملة من الحقائق المتعلقة بالمكان الذي يضوع فتنة وجمالاً؛ ففي هذا المكان (مكة.. عمق الكون) يمكن لها أن تكشف للقارئ سر العلاقة الفاتن بين المرأة والمدينة.. تلك العلاقة التي تدهش من تجاذبتها الوجدانية التي تتسم بالجزالة، والوفاء، وحشد من رؤى مستعادة من عمق الذاكرة، بل إن هذا التعالق بين (المرأة - رجاء) و (المدينة - مكة) أثمر أعمالاً إبداعية قوية فرغم أن البيئة محافظة، وتحوطها قدسية المكان (الحرم المكي الشريف) إلا أن المبدعة شقت لإبداعها الطريق حتى بنت لنا هذا الوجود الماتع كلما قرأنا لها عملاً روائياً جديداً.
رجاء عالم لا يمكن لها أن تكون مبتذلة في وصفها للمدن، ولا متكلفة في صياغتها لمفهوم العلاقة بين الإنسان وبيئته، إنما جاءت لغتها رصينة وسردها فاتن وشيق على عكس من وصف المدن بحياد لم يفلح معه تقديم ما يحسب أنه عمل روائي متجاوز.
(عمق الكون) عالم المكان في روايات عالم جسد البعد التأثيري لمشهد العلاقة الحميمة بين الإنسان وأرضه وبيئته حتى بتنا نرى المكان وقد تحول إلى شعلة من الضوء الباهر، لننجذب إليه لفرط ما صاغته الكاتبة رجاء عالم المميزة حقاً في مشروعها الروائي الذي تصف فيه جماليات المكان وأبعاده الوجدانية الخالدة.