الثقافية - سعيد الدحية الزهراني
عادل خميس.. صوت أطرب الوسط الثقافي المحلي كثيراً كثيراً عبر مجالين: الصحافة ثم الشعر.. قبل أن ينال درجة الماجستير في الأدب من جامعة الملك عبد العزيز بجدة ليطير بعدها إلى بريطانيا لمواصلة دراساته العليا ونيل درجة الدكتوراه من هناك في ذات المجال الأدبي.
كان عادل خميس أحد محاور تشكيل نبض الصحافة الثقافية من خلال عمله بالزميلة (المدينة).. ولا نزال نتذكر مع أستاذنا الكبير عاصم حمدان مقالته التوديعية لعادل وهو يلملم ذاته وأشياءه تحضيراً للسفر..
ترك عادل خميس إسهامات صحافية راقية ومثلها شعرية مميزة.. ومثليهما من الأصدقاء المحبين.. (الثقافية) تتمنى للزميل الصحفي الشاعر عادل خميس التوفيق والسعادة.. كما تتمنى أن تكون قد لامست بعض المأمول عبر هذا اللقاء..
هناك من يرى أن صدور المجموعة تأخر قليلاً؟
- لم أكن مقتنعاً بأن ما كتبته وأكتبه يستحق أن يصدر في ديوان بعد، قلت من الشعر الكثير، وشاركت في أمسيات كثيرة في المملكة، في أكثر من نادٍ أدبي وغير أدبي، غير أني لم أقتنع أن ذلك يشفع لشعري أن يصدر في مجموعة، هكذا ببساطة، إلا أن عدداً من الأصدقاء كان يرى أن في ذلك إجحافاً لتجربتي، وأن هذه مرحلة لا بد أن توثق بما فيها، كثيرون رأوا أن المرحلة تستحق التوثيق، وشاء الله أن أرضخ لمنطق العقل.. وكانت المجموعة.
أنت شاعر لا تخدم شعرك.. ما رأيك في هذه التهمة؟
- نعم.. لم أنشر في حياتي غير عدد من النصوص لعلها لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، على الرغم من قربي من الوسط الصحفي بحكم عملي في صحافة الثقافة وعلاقتي الجيدة بأغلب صحفيي الثقافة في المملكة وغيرها لكني كنت كسولاً نحو نشر إنتاجي. وبما ان الحديث ساق إلى الصحافة فدعني أقول إن عملي كصحفي كان سبباً رئيسياً لانشغالي عن الاهتمام بنتاجي.
بالحديث عن الوسط الثقافي كيف تركته قبل أن تسافر إلى بريطانيا لدراسة الدكتوراه؟
- التحولات المفاجئة والتغييرات في مجالس الإدارة أشعلت الحماس في الوسط وبدأت الحياة تدب في عروق الثقافة المحلية، أسهم في ذلك وزارة واعية ومشجعة للحركة الإيجابية ثقافياً، غير أن تلك الحماسة هدأت قليلاً، فبدأ البحث عن بدائل لعلها تعيد مستوى النبض الثقافي إلى مستواه، فبدأت المطالبات بالمراكز الثقافية والانتخابات وحضور المرأة في الإدارات، ثم كانت الاستقالات المفاجئة للأعضاء المعينين حديثاً. أهم ما لاحظته هو بداية تكون جيل جديد من الشباب، يحمل من الوعي الكثير، وأنا أعول على هذا الجيل كثيراً ليحمل رايات التغيير الحقيقي على مستوى الحوار والإنتاج.
كأن هناك انتقاداً مبطناً للجيل الحالي في حديثك؟
- لا ليس انتقاداً، لكنها طبيعة الحياة لا تقف عند أحد ولا تنتظر أحداً، في الجيل الحالي أسماء بارزة جداً تستحق أن يكون لها الصدارة في المشهد الثقافي السعودي والعربي أيضاً، ومنهم من استفاد من زخم المرحلة، وأخذته زفة الثقافة على طريقة (مجاناً مع العبوّة)، والغريب أن هؤلاء الأخيرين صدقوا أنفسهم وبدأ بعضهم يصدق أنه مفكر حقيقي، ومؤسس من مؤسسي الفكر المحلي. لكن الزمن يقول كلمته على الفريقين، لذلك أرى في جيل الشباب توافقاً مع طبيعة وفكر المرحلة، لم تعد قضية من هو رائد الحداثة أمراً يدعو المثقفين للتحلق، وهذا ما أضحكني وأنا بعيد هنا حين قرأت التراجم الكوميدي بين الغذامي والعلي مؤخراً.
وما هو تقييمك لدور صحافة الثقافة في هذا الحراك؟
- معقول جداً، فبعد أن عانت صحافة الثقافة لسنين من سباتها، ها هي تستيقظ وتحاول أن تجد مكانها الحقيقي في مسيرة التنمية الثقافية، لكن لا تزال مهمة إيجاد المحرر الثقافي صعبة، المحرر الثقافي عملة نادرة بحق.
دعني أعود لمجموعتك الشعرية.. يلاحظ أنها لا تتميز بخط معين؟
- أنا أوافقك الرأي، كما ذكرت آنفاً، حينما اقتنعت بلزوم إخراجها ركزت على جمع عينات من شعري عبر مراحلي الشعرية الأولى حتى الآن، وكان هدفي توثيقياً أكثر من غيره، لذلك لم أهتم بأن تنتظم النصوص تحت خط واضح.. وهي فوضى بلا شك، لكن آمل أن تكون فوضى خلاقة..
صدور المجموعة جاء بعد إرهاصات مختلفة التضاريس.. ماذا عن تلك الإرهاصات؟
- أعلم أنك تقصد نادي الباحة الأدبي. نعم لي معهم قصةٌ رفضتُ أن أذكرها من حينها، على الرغم من محاولات بعض الزملاء في الوسط الصحفي وأنت منهم، بأمانة لم أرد أن يكون الأمر ردة فعل غاضبة، تجعلني أهضم حقوق البعض أو يأخذ الأمر غير مجراه، على الرغم من أنني - كصحفي سابق - أعلم أن الأمر سيكون في صالح كتابي لو حصل.
* لنعد إلى القصة من البداية؟
هي ليست تلك القصة، اقتنعت بإصدار الديوان وقمت بجمع عدد من النصوص بين دفتي مسودة الديوان، وصادف أني التقيت الزميل الشاعر محمد الشدوي وكان في تلك الفترة من أعضاء لجنة الطباعة والنشر في نادي الباحة، فأخذ مني مسودة الديوان غير المكتملة حينها لعرضها على الأساتذة في النادي إن رأوا طباعتها، ومرت أشهر، وسافرت إلى حيث انا الآن بريطانيا للدراسة وكنت قد غيرت العنوان وأضفت إلى المجموعة بعض النصوص وحذفت بعضاً.
ثم ماذا حدث؟
* ثم عدلت العنوان مرة ثالثة؟
- نعم فعلت.. لم أرفض أن أغيره مع نادي الباحة مكابرة، لكني كنت صاحب مبدأ، ولم أغيره لأني تراجعت عن هذا المبدأ، لكني كتبت نصاً وحيداً هنا في بريطانيا، وشاء الله أن أقتنع بعنوانه ليصبح عنواناً للمجموعة (بين إثمي وارتكابك) وكانت الطباعة.
ألا ترى في ذلك شيئاً من الارتباك..؟
- قلها.. عدم النضج.. نعم ربما.. قلتُ في البداية إني لم أقتنع بنضوج شاعريتي لتستحق الطباعة، غيري رأى ذلك أكثر مني فأقنعني، أنا كائن قارئ، قارئ بشراهة غريبة أحياناً، وهو أحد أسباب إهمالي لشعري، أحد نصوصي وجدته بالصدفة على ظهر فاتورة تلفون فضمنته في المجموعة.. من دون ادعاء للتواضع.. كيف لمن يقرأ للجواهري ونزار هناك وللحميدين والثبيتي هنا أن يكون له أن يقتنع بشعره.. أنا أتحدث عن نفسي وعن شباب جيلي طبعاً.
ألم تجرب نادياً آخر؟
- علاقتي بأغلب الأندية وطيدة، وكثير من أعضاء مجالس الإدارة في الأندية من الأصدقاء، غير أني رأيت أن أقوم على طباعة أول أعمالي بحيث أخرجه حسبما أريد، قبل نادي الباحة عرضت المجموعة على أقرب الأندية إليّ، نادي جدة الأدبي لكن جدولهم الطباعي كان مليئاً على ما يبدو، وكانت مجموعة باهيثم - رحمه الله - في خطتهم لتلك السنة، ثم كان ما كان بينهم وبين نادي حائل، أنا لي في هذا الأمر رأي، لكني لن أصرح به تقديراً لأستاذي الدكتور عبد المحسن.
السؤال التقليدي للشعراء: بمن تأثرت في شعرك؟
- الجواب التقليدي للشعراء: تأثرت بكل الشعراء الفحول - وأنصاف الفحول - الذين قرأت وحفظت لهم من القديم وحتى اليوم، يرى البعض ومنهم الدكتور عبد المحسن القحطاني أن النفس النزاري واضح في شعري، وهذا صحيح، ويرى غيره أنفاس صلاح عبد الصبور، ولعله كذلك.. هذه أمور لا يستطيع شاعر حقيقي أن يجيب عنها بدقة.
نصوصك موزعة بين شعر التفعيلة والعمودي.. ألم تغرك تجربة قصيدة النثر؟
- هذا الإغراء يرعبني.. قصيدة النثر صعبة إلى حد غريب، حد يجعلها تبدو أسهل ما يكتب، قصيدة النثر تعتمد على مقومات داخلية معقدة وتكاد تكون مستحيلة، على مستوى الصورة وعلى مستوى البنية وعلى مستوى الموسيقى وبالنسبة لهذه الأخيرة فالنبر يمثل أسهل أعمدته.
وكيف تفسر التوجه الملحوظ نحو كتابتها؟
- من يعرف قصيدة النثر حقيقة، من قرأ عن أسسها ومقوماتها، وعرف مراحل تطورها، يدرك أن كثيراً مما يكتب تحت اسم قصيدة النثر لا يمت لها بصلة، بصراحة أغلب من يكتب هذا النوع لا يدرك أبعاده، يكتبه لاعتقاده بسهولته، وتفلته من الوزن الشعري، ولعل القلم الناعم تجرأ على قصيدة النثر أكثر من نظيره الخشن، والسبب - من وجهة نظري - هو ذاته الذي أغرى القلم الناعم بالسرد (وخصوصاً الرواية) لذات الاعتقاد بسهولة المهمة.
قمت سابقاً باستطلاع عن الشاعر السعودي المعاصر الذي يستحق الريادة، فمن هو في رأيك؟
- معيار الريادة ليس معياراً واضحاً، أقول هذا عن تجربة، لكن دعني أركز على نتيجة ذلك الاستطلاع، الذي خرج فيه الدكتور غازي القصيبي منتصراً.. القصيبي شاعر رائع، وهو بلاشك ضمن قائمة أبرز الشعراء الذين أنجبتهم المملكة، إلا أنني أرى أن تجربة محمد الثبيتي هي الأبرز والأكثر مواكبة لروح الشعر في هذا العصر.. سمعت أن هناك من ينتقد الثبيتي بأنه لم يعد يقدم جديداً.. ولست أدري ماذا يعني أصحاب هذا الرأي بالجديد، ليتهم يوضحون.
