قال لي أحد الرسامين: كلّ ما رسمته من لوحات ليس سوى مجرد تدريب يمهد لمجيء يوم أرسم فيه ما أريده ويريده الناس، وأصبح مليونيراً.
قلت: إذا رسمت ما يريده الناس، فستصبح شحاذاً أو شهيداً.
قال: سأرسم لوحات لن أبيعها لأحد بل سأعرضها على الناس لقاء أجر، وكلّ لوحة سيكون لها جمهورها ودورها وتأثيرها.
قلت: مشروعك خاسر وفاشل لأن الناس لا يجدون ما يأكلون، وأنت تريد منهم أن يدفعوا نقودهم لمشاهدة لوحات.
قال: إذا كانت اللوحات تنفعهم، فسيدفعون بسخاء. سأرسم لوحة ما أن يراها الجائع حتّى يشبع ولا يحتاج إلى أيّ طعام طوال أيام. أمّا إذا تمادى في النظر إليها، فسيتخم.
قلت: هذا هوّ الفن الإشتراكي بعينه، والمرجو أن ترسم لوحتين: واحدة لآكلي اللحوم، وواحدة للنباتيين.
قال: وسأرسم لوحة ترغم كل من يحدق إليها على أن يبكي.
قلت: قلبك قاسٍ جداً. أتريد من الناس أن يبكوا ويدفعوا أيضاً ثمن دموعهم؟ هذه لوحة لا داعي إليها، فالناس قد بكوا حتّى نفدت حصتهم في الحياة من الدموع.
قال: وسأرسم لوحة إذا رآها أكثر الناس حزناً سيضحك طوال ساعات ضحكاً عميقاً نابعاً من القلب.
قلت: هذه لوحة ستهتريء من كثرة الراغبين في رؤيتها.
قال: وسأرسم لوحة يراها الجبان فيصبح شجاعاً يتحدى الموت ويطلبه.
قلت: لوحة واحدة لن تكفي، فجبناؤنا يحتاجون إلى ملايين اللوحات.
قال: وسأرسم لوحة من ينظر إليها يطلب الموت بغير تردد أو أسف.
قلت: لا بد من أن موضوع لوحتك سيكون مستمداً من أحوالنا السياسية.
قال: وسأرسم لوحة قادرة على أن تجعل الناس ينامون نوماً عميقاً.
قلت: هذه لوحة مدهشة، وهي وحدها ستجعلك من أصحاب الملايين، فالحبوب المهدئة والمنومة ستكسد سوقها، ولن تجد مشترياً واحداً لها، وستسارع مصانع الأدوية إلى مفاوضتك وتعرض عليك الملايين لتوافق على إتلاف لوحتك.
قال: ولكن هناك حكومات ستعرض عليّ ملايين أكثر حتّى تظل لوحتي سليمة ويظل المحكومون نياماً.
** العضو السابق في مجلس الشورى
*** تم الغاء الهوامش اختصاراً