Culture Magazine Monday  22/12/2008 G Issue 263
فضاءات
الأثنين 24 ,ذو الحجة 1429   العدد  263
 

الإعلام الثقافي وتنميته في المجتمع السعودي*(1)
د. بدر بن أحمد كريّم

 

 

الأسس الضرورية لبناء مجتمع ثقافي إعلامي سعودي.

أولاً: الأسس الضرورية.

يتضح من خلال تجارب الماضي والحاضر، أنّ وضع الأسس الضرورية لبناء مجتمع ثقافي إعلامي سعودي مُميّز، هو من الوسائل الناجعة لمواجهة التحديات الثقافية، الناجمة عن ضرورة النهوض بهذا المجتمع، ومن ثم يمكن القول: إنّ المبادئ المهمة والضرورية لبنائه، والمعالجة الموضوعية لقضية تنمية ثقافته وتطويرها، تعتمد على الأسس التالية:

أ - توافر وعي جماعي سعودي مُوَحَّد، يدرك أبعاد التحدِّيات الجديدة، التي ستواجهها الثقافة السعودية ووسائل إعلامها، نتيجة المفاهيم الثقافية الحديثة المقترِنة بعوْلمة الثقافة.

ب - اعتماد إستراتيجية ثقافية إعلامية سعودية، تتماشى في توجهاتها، وخُطَطها، وبرامجها الزمنية، مع النسق العام لتطور المجتمع ككل، على الأصعدة: الوطنية، والإقليمية، والعربية، والإسلامية، والدولية.

ج - تكامل وتشابك المحاور: الهيكلية، والتقنية، والثقافية، والإعلامية، والاجتماعية، في بناء أسس ضرورية لمجتمع ثقافي إعلامي سعودي، مما يستدعي التشاور الواسع النطاق، في الميادين ذات الصِّلة بالثقافة السعودية في القطاعين: الحكومي والأهلي (الخاص).

د - تحويل المجتمع السعودي من مُجَرد مستورد للثقافة، إلى طرف فاعل من أطراف مجتمع العِلْم والمعرفة، وتحقيق تنمية ثقافية إعلامية شاملة، ومندمجة، ومستديمة.

هـ - استثمار فيْض الثقافة التي تزخر بها ساحات المجتمع السعودي، في بناء مجتمع ثقافي إعلامي سعودي مُمَيَّز.

و - وجود سياسة ثقافية سعودية واضحة المعالِم، تُعَبِّر عنها وسائل الإعلام السعودية، وتشرحها، وتفسرها، للمتلقين لها في أنحاء مجتمعات العالم.

ز - وجود دعم سياسي حقيقي للثقافة السعودية، وأرضية قانونية ملائمة لها.

وانطلاقا من كل ذلك، فإن وضع الأسس الضرورية لبناء مجتمع ثقافي إعلامي سعودي مُميز، إنما يرتبط إلى حد بعيد بتفعيل مفهوم حق الإنسان السعودي في الثقافة، بوصفه شرطاً أساساً للنهوض بالوعي الثقافي العام، نحو مشاركة أفضل للفرد في صُنْع حاضر ومستقبل ثقافته السعودية، المبثوثة عبر وسائل إعلامه الجماهيرية، لتعميق الإعلام الثقافي.«....»

ولكي تكون سياسة الثقافة في المجتمع السعودي مستقلة، ومتناغمة، على المستوى الوطني، فلا بد من تبني هدف تحقيق مزاولة حق المجتمع السعودي، أفراداً وجماعات، في الحصول على الثقافة من جهة، والإعلام من جهة أخرى، بوصفهما حقاً من حقوق الإنسان، يستأنس بالتجارب الناجحة التي ظهرت في هذا المضمار.

وبدهياً فإنّ توطين تقنيات الإعلام في المجتمع السعودي، ومضامينها الثقافية، يعتمد بصفة أساس على الإعلام من جهة، والسياسة الثقافية من جهة أخرى. وليس ثمة شك أنّ عناصر إرساء ثقافة مميزة في المجتمع السعودي، من شأنه أن يغيّر السلوك والتصرفات الفردية والجماعية، وبخاصة في التعامل مع المعلومة الثقافية، دون أن تقتصر هذه التغيرات على مؤسسات المجتمع الأهلي (المدني) السعودي، قصد إكسابه مهارات جديدة، لاستيعاب المزيد من المعلومات الثقافية، وتحسين قدْرات أفراده على أداء أعمالهم الثقافية الجديدة، وتحملهم أعباء تنفيذها.

ثانياً: بناء مجتمع ثقافي إعلامي سعودي.

نظراً للتطور النسبي الإعلامي التقني في المجتمع السعودي، وسيطرة مجموعة محدودة من الدول على هذه التقنية، وامتدادها إلى الإنتاج الإعلامي، فإن المجتمع السعودي شأنه شأن المجتمعات الآخذة بزمام التقدم، يواجه هموماً وتحديات ثقافية وإعلامية على جبهات كثيرة، من شأنها الإغراق في قيم غير ملائمة، كما تؤدِّي بوعي أو بدون وعي إلى الإحساس بالاغتراب، والسَّلبية، والهروب من التصدي لواقع الحياة الثقافية ومشكلاتها..ولكي يتم بناء مجتمع ثقافي إعلامي سعودي مُمَيَّز، فلا بُدَّ من التخلص من ثقافة الاستهلاك، تلك التي تروجها وسائل الإعلام الغربية، لتنال من الهُوُية الثقافية للمجتمع السعودي، وتؤدي بالتالي إلى زيادة مطردة في الفوارق، وتُباعِدُ في المسافات بين الجمهور السعودي العام، والنُّخْبة التي تتبنى أساليب التفكير والحياة، وإقامة علاقات جديدة طابَعُها الإنصاف في مجال الإعلام، والتغيرات البعيدة المدى في العلاقات الثقافية والإعلامية ويمكن أن يتم ذلك على النحو التالي:

أولاً: أنْ تتخلص وسائل الإعلام السعودية (من كل فيلم مُعَقّد، وكل مقابلة يحكي فيها واحد ولا يفهمه أحد، ومن كل عرْض لا يُعْرَفُ الكوعُ فيه من البُوع، ومن كل صوت يخرج من العِبِّ إلى الجيْب، ومن كل فستان فاقع).

ثانياً: رفض المحاولات الرامية لتعميق التبعية الثقافية.

ثالثاً: الاستعانة بوسائل الإعلام السعودية، في النهوض بالتطور الثقافي السعودي.

رابعاً: الأخذ بأيدي ذوي الثقافة المتواضعة، من أجل الارتفاع بمستوى ثقافتها، وزيادة فعاليتها في الميادين المحلية، والإقليمية، والعربية، والإسلامية، والعالمية.

خامساً: الاستفادة من الدراسات والبحوث الإعلامية، وما نَجَم عنها من نتائج، تساعد على غرس بذور رؤية ثقافية جديدة في الأجيال القادمة.

سادساً: التأكد من أن المسؤولين عن قيادة الثقافة السعودية في وسائل إعلامها، حاصلون على أكبر قدْر من المعرفة الثقافية، ليتمكنوا من أداء رسالتهم الثقافية.

سابعاً: امتناع المثقفين السعوديين عن إصدار أحكام سريعة على الثقافات الوافدة، وانتقاء ما يناسب المجتمع السعودي منها، بعد إخضاعها للبحث والدراسة، ورفض القيم الثقافية التي لا تلبي حاجات المثقفين السعوديين ثقافة عالية من جهة، وذوي الثقافة المتواضعة من جهة أخرى.

ثامناً: مواجهة الغزو الثقافي والإعلامي المتعدّد الجبْهات، الذي من شأنه إغراق المجتمع السعودي في لُجّة قيم ثقافية غير ملائمة.

تاسعاً: رفض التعددية الإعلامية القائمة على أساس قبَلي، أو طائفي، أو مذهبي، أو عِرْقي، والتمسك بالوحدة الوطنية التي انصهرت في بوتقتها كل الفئات الاجتماعية السعودية.

عاشراً: إبداء الرأي إزاء ثقافة المجتمع السعودي، ونقدها نقداً موضوعياً، توخياً لثقافة منبثقة من واقع الأفراد والجماعات، وتطلعاتهم المستقبلية لتطويرها وإصلاح ما فسَد منها.

حادي عشر: إقامة المزيد من المؤسسات الثقافية في المجتمع السعودي، وضبط إيقاعها، والبُعْد عن كل أشكال وصِيَغ الانحراف الثقافي، وتقديم نماذج متنوعة الأشكال عن إدراك الإعلاميين والمثقفين السعوديين، للأدوار التي تؤديها الثقافة في خدمة مجتمعهم، وإسهامها في بناء مجتمع ثقافي إعلامي سعودي جديد.

ويتوقع مقدم هذه الورقة -إذا أخضعها المسؤولون عن بناء مجتمع ثقافي إعلامي سعودي للدراسة- أنه يمكن الاستفادة من بنودها أو بعضها، لتعزيز هذا البناء، والتنسيق مع وسائل الإعلام السعودية وسائر المؤسسات الاجتماعية، لدعم الثقافة السعودية، ونشرها، وتوضيحها، وتفسير أبعادها وآمادها.

المعوقات التي تواجه وسائل الإعلام السعودية في أداء دورها الثقافي.

يستنسبُ مقدِّم هذه الورقة، التوقف أمام بعض المعوقات التي تواجه وسائل الإعلام الجماهيرية السعودية من جهة، والثقافة السعودية من جهة أخرى، وهي معوقات تجعل من الصعب وضع برامج محددة المدى والأهداف، أو التنبؤ بالسلوكيات الثقافية المرغوبة، التي ينبغي أن يكون عليها حال المثقفين ثقافة عالية، وذوي الثقافة المتواضعة، على النحو الذي يشعرهم بالاطمئنان على ثقافتهم، وقدرة وسائل الإعلام السعودية على الاضطلاع بمسؤولياتها وواجباتها إزاء الثقافة السعودية.. وسأشرح المعوقات على النحو التالي:

المعوقات:

1 - عدم الاندماج الفعلي بين التوجه في الإعلام، والتوجه التعليمي في المجتمع السعودي.. وعلى الرغم من مبررات التفاؤل بسبب ظهور تحولات ثقافية واجتماعية لافتة، إلاّ أنه يجب العمل على ألاّ تبقى مكونات ثقافة المجتمع السعودي، مقتصرة على سكان الحضر، الذين أتيحت لهم إمكانات فردية خاصة، للتعامل مع التقنية الإعلامية من جهة، وتقنية الثقافة من جهة أخرى.

2 - الاقتصار على شراء التقنية الإعلامية والثقافية الحديثة، دون نقلها والتحكم فيها، مما يجردها من سياقها المعرفي، وبذلك تحدث فجوة كبيرة بين السياق الذي تُوَرَّد له، والنتائج المنتظرة.

3 - اقتصار استعمال تقنيات الإعلام في المجتمع السعودي على المدن الكبرى.. وبالرغم من أن هذا الوضع تبرره أسباب منها: وجود فائض بشري من الأمية في بعض محافظات المجتمع السعودي، والمركزية الاقتصادية في المدن، إلاّ أنّ هذا لا يعفي من مسؤولية التأكد بأن زيادة الفجوة بين المدن والقرى، سيؤدي في النهاية إلى إعاقة مسار التنمية السعودية المستديمة.

4 - توظيف تقنيات الإعلام عند بعض أفراد المجتمع السعودي، توظيفاً ترفيهياً استهلاكياً لا توظيفاً تنموياً. فعلى سبيل المثال ما زالت الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) وهي أحدث التقنيات تستعمل في المجتمع السعودي - في الغالب - استعمالات ترفيهية.

5 - تغلغل ثقافة المجتمعات المتقدمة صناعياً في ثقافة المجتمع السعودي، مما أدى إلى إضعاف البنية الثقافية السعودية.

6 - وجود قيم وأفكار خاصة بثقافة الاستهلاك، التي تروج لها عن طريق الإعلان التجاري، معظم وسائل الإعلام الجماهيرية الخارجية.

7 - تأخير وصول الوسيلة الإعلامية السعودية المطبوعة إلى القراء، ومحدودية نوافذ البيع والشراء في معظم المناطق والمحافظات السعودية.

8 - التقاط قنوات فضائية غير منضبطة، وخلو معظمها من برامج ثقافية متزنة ووقورة، غررت بالمتلقين السعوديين وبخاصة الشباب والشابات، فضلاً عن افتقاد تلك القنوات إلى مديرين مهنيين محترفين، يُرَشِّدون مواد قنواتهم، ولا يخضعونها للبحث العلمي الإعلامي، ودراسات رجع الصدى.

9 - إغراق المشاهِدِين، والمستمعِين، والقراء السعوديين، في برامج ممجوجة وافدة، ودخولها لعبة الاتجاه التجاري البحت.

10 - ظهور برامج تلفازية سعودية، تعتمد على طرح أسئلة رديئة على المشاهدين مثل: ما أكلتك المفضلة؟ ما قَصّة شَعْرِك المفضلة؟ ما لون سيارتك المفضل؟ مما أفقد هذه البرامج عنصر الثقافة المكتسبة عن إصرار وتعمُّد.

11 - إنشاء بعض الممولين المنتفعين، قنوات فضائية تخدم سياساتهم وتوجهاتهم الإقصائية، مستبعِدة أي ملمح ثقافي، والنتائج حتى الآن ممتازة!!.

12 - رفض بعض المؤسسات الثقافية السعودية، تشجيع الباحثين والمفكرين السعوديين، والاعتماد على لجان تنظر فيما يتم شراؤه من مؤلفاته، دون معرفتهم أو علمهم، بالضوابط التي تحد من عمليات التشجيع.

* * *

*مجتزأ من ورقة قدمت إلى الملتقى الثقافي الأول للنادي الأدبي بمنطقة تبوك 19- 21 ذي القعدة 1429ه، 17-19 نوفمبر - تشرين الثاني 2008م

يتبع


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة