في بداية عام 1903م تنشر جريدة (المقتطف) المصرية رسالة من أحد (المشتركين) من جزر البحرين كما تقول، هو (حسين مشرف) يسأل فيها: (يقول أبو العلاء المعري:
تثاءب عمرو إذ تثاءب خالد
بعدوى فما أعدتني الثوباء..
فما سبب التثاؤب؟ وهل دعوى العدوى صحيحة؟)!
وتشرح الجريدة لقارئ البحرين التثاؤب ولكنها ترفض عدواه!
ومع أن سؤال البحريني (مشرف) لم يكن إلا سؤالا عابرا من رجل يبحث عن معرفة ليس إلا، إلا أن الرسالة كانت تشير إلى بواكير نفض التثاؤب الحقيقي وهو الإصلاح وبروفات التنوير التي بدأتها رسائل وأسئلة المثقفين والمصلحين البحرينيين في تلك الفترة المبكرة.
ولم يكد المثقف والقارئ الشغوف (مشرف) يطرد تثاؤبه مع رفاقه الآخرين حتى راحت رسائل التنوير والمعرفة والإصلاح تطارد الجرائد العربية وخاصة المصرية من مكاتيب صغيرة من البحرين ترسل بطوابع إنكليزية وتصل إلى القاهرة وبيروت ودمشق وبغداد بالبوارج البحرية الإنكليزية أيضا!
وبعد (مشرف) بسنوات قليلة يكتب المثقف النجدي- البحريني البارز وتاجر اللؤلؤ الشهير آنذاك رسالة إلى مجلة (المنار) وصاحبها رشيد رضا يسأله عن إمكانية الصيام حسب خبر الجرائد مختتما رسالته بقوله: (أفيدونا مأجورين)!
وطبعا لا يتوان الشيخ رضا عن الإفادة والشرح وحتى الإفتاء في هذا الموضوع المهم حينها.
لكن مع انتظام وصول الصحف والمجلات العربية أمثال (المقتطف) و(الهلال) و(المقطم) و(الأهرام) وغيرها إلى البحرين يزداد القراء وتكثر مراسلاتهم واشتراكاتهم، ومعها تكثر أيضا أسئلتهم القلقلة وطردهم للتثاؤب إلى الأبد!
كان طرد التثاؤب هي مجرد البداية لمثقفي البحرين الأوائل. فبعد ان استطاعت تلك الجرائد الرصينة والمعرفية ان توصل إليهم أشياء كثيرة، بدأ المثقفون في تأسيس أول مشروعات التنوير وهو إنشاء (نادي إقبال أوال) عام 1913م، حيث قام بدور مهم في التنوير من خلال المحاضرات الفكرية والندوات الأدبية وغرفة المطالعة التي كان يحتويها.
غير ان عضو النادي النشيط الأديب (ناصر الخيري) يكتب رسالة إلى مجلة المنار في شهر يوليو عام 1913م يعبر فيها عن قلق بعض أعضاء النادي من بعض القضايا الدينية وخاصة الحج وطقوسه. وينشر الشيخ رشيد رضا الأسئلة الطويلة ويرد عليها بإجابات طويلة أيضا، ولكنه يجد ان أسئلة المثقف البحريني (الخيري) يشتم منها رائحة التأثير من الأفكار التبشيرية المسيحية!
وما ان وصلت (المنار) إلى البحرين حتى كان القاضي الشهير قاسم المهزع قد قرأ الأسئلة والأجوبة وعبر عن غضبه الشديد بما جاء بها، فأمر حسب سلطاته الواسعة آنذاك بأن يغلق النادي ومعاقبة جميع أعضاءه وخاصة (الخيري) بعقاب خاص! على عكسه سلم المثقف النجدي الكبير (مقبل الذكير) من إغلاق ناديه الشهير) النادي الأدبي الإسلامي) الذي أنشئ في البحرين في نفس العام 1913م لسبب بسيط وهو ان أسئلة (الذكير) كانت تدور حول قضايا معرفية وأدبية وأحيانا إصلاحية.
ورغم بعض المشكلات التي طاردت المثقفين البحرينيين الأوائل بسبب أسئلتهم القلقلة في الصحف إلا أن أسئلتهم لم تتوقف بل تواصلت ونشرت في أكثر من جريدة ومجلة، بل ووجدت ترحيبا واسعا لأنها ببساطة كانت تعبر عن بروفات حقيقية للتنوير في ذلك البلد الصغير أقصى الشرق العربي.
فقد كانت الصحف العربية، في بلد مثل البحرين يخلو من أي صحيفة أو مجلة وقتها، تمثل الرئة الوحيدة التي كان المثقفون فيها يعبرون عن آرائهم بالكتابة إليها، وبالقراءة المكثفة لها باعتبارها من وسائل المعرفة والثقافة الجذابة القليلة ان لم تكن النادرة.
وبعد ثلاث سنوات من صدور مجلة (المصور) عام 1927م تنشر المجلة صورة رجل باللباس العربي وهو يمسك المجلة وكتبت تحتها: (هذه صورة احد مشتركي المصور بالبحرين، ويسرنا ان تكون الصحافة المصرية منتشرة ليس فقط في البلدان العربية بل في معظم الأقطار الشرقية. وهذا يدل على نهضة مباركة).
ويبدو أنها نست أن تكمل... وبروفات للتنوير أيضا!
albassamk@hotmail.com
تونس