Culture Magazine Monday  22/12/2008 G Issue 263
فضاءات
الأثنين 24 ,ذو الحجة 1429   العدد  263
 
هل تُصلح المؤسسات الثقافية الأهلية ما أفسدته ثقافة الحكومات العربية؟
(الثقافة بعيون أصحاب رؤوس الأموال)
سهام القحطاني

 

 

لا شك أن المهتمين بالتنمية الثقافية قد صدموا بالتقرير الذي كُشفت بعض ملامحه في الاجتماع الأخير لمؤسسة الفكر العربي الذي يشير إلى (تدني معدل الالتحاق بالتعليم عربياً، مقارنة بدول العالم، وانخفاض معدل الكتب المنشورة عربياً، وانخفاض معدل القراءة).

ووفقاً للتقرير الذي أعلنه رئيس المؤسسة الأمير خالد الفيصل من القاهرة لا يتجاوز معدل الالتحاق بالتعليم في الدول العربية 21.8% بينما يصل في كوريا الجنوبية إلى 91%، وفي استراليا 72%، وفي إسرائيل 58%.

كما (أوضح أمين عام المؤسسة الدكتور سليمان عبد المنعم أن هناك كتابا يصدر لكل 12 ألف مواطن عربي، بينما هناك كتاب لكل 500 إنجليزي ولكل 900 ألماني، أي ان معدل القراءة في العالم العربي لا يتجاوز 4% من معدل القراء في إنجلترا).

وهو تقرير يجزم بفشل الثقافة الرسمية العربية في قيادة التنمية الثقافية لمجتمعاتها، ولن أتحدث عن أثر هذا التقرير في أسباب فشل الحكومات العربية في قيادة التنمية الثقافية؛ لأسباب جلّها تتجدّول ضمن المسكوت عنها.

بل سأتحدث عن دور المؤسسات والجوائز والصالونات الفكرية والثقافية الأهلية غير الربحية سواء السعودية أو العربية، الدور الذي يمنحها الصلاحية في (أن تقود العمل الثقافي، وأن تخطط لنهضة ثقافية جادة، وأن تستوعب بالضرورة البلدان الأكثر تخلفا)- عبد الرحمن منيف، بين الثقافة والسياسة/ ط3، ص61-

دور على الافتراض يعيد تأسيس خطط التنمية الثقافية للمجتمعات العربية والتأثير في صياغة الأشكال الثقافية بأهداف ونتائج مخصوصة تتفق مع خطط التنمية الثقافية المتبناة من قبل تلك المؤسسات الثقافية، حتى ترهص لهيكلة المجتمع المدني.

لكن تلكم الرؤية الاستشرافية لِم ينبغي أن تتمثلها المؤسسات الثقافية الأهلية من دور وفاعلية في التنوير والتغيير والتطوير، وإعادة تشكّل المرافق الثقافية بمضمونات تعمل على تفعيل حقوق الإنسان السياسية والدينية والاجتماعية وقضايا المرأة والديمقراطية والأقليات وفق مقتضيات المجتمع المدني، قابلة للشك والتشكيك في عدم جديتها في قيادة أي ثورة ثقافية تصحح أو تصلح من عيوب وأخطاء التخطيط للتنمية الثقافية في المجتمعات العربية أو حتى تعيد تأسيس بنى ذلك التخطيط لمصلحة التصحيح والإصلاح كمرفقين رئيسيين لأهداف وأشكال المجتمع المدني.والتشكيك في دور وفاعلية المؤسسات الثقافية الأهلية وفق تقويم إنجازاتها، يخرجها من دائرة المؤثرات المساهمة في خلق التفكير والفعل الإجرائيين التنويريين، إلى فراغ تتحكم فيه نرجسية المؤسس وفوضى معايير تقويم التأثير والتأثر للمنجز والمشروع الثقافيين، مما يحول تلك المؤسسات إلى عبء ثقافي إضافي على التنمية الثقافية، من خلال (رسملة الثقافة) وهو نهج أي رسملة الثقافة عبر المؤسسات الثقافية الأهلية أحسبه أخطر من (أدجلة الثقافة) لأنه يؤدي إلى فوضى ثقافية تغيّب معايير التأثر والتأثير للمنجز والمشروع الثقافيين، القيمة المؤكدة للثقافة كوظيفة تنموية، إضافة إلى تسليع الشكل والمحتوى الثقافيين ليتوافق مع معايير التسويق الثقافي التي يفرضها الدعم المادي الممنوح من قبل المؤسسات الثقافية.

والتشكيك في الدور التنويري للمؤسسات الثقافية الأهلية له سببه، وله أسئلته التي أحسب التفكير فيها والتصريح بها منطقية.

أما سببه فيعود إلى أن تلك المؤسسات تتحرك في ظل محتوى السقف السياسي الرسمي، الذي يتعارض على الاعتبار مع أهدافها التنويرية والإصلاحية، تلك الأهداف التي أحسب أنها تتعارض بالتالي مع السياسات الثقافية الرسمية العربية، كونها تحمل مشروعا ثقافيا غالبا ما يتناقض مع الاستراتيجية الثقافية الرسمية، التي فشلت في قيادة التنمية الثقافية لمجتمعاتها، و(الظل) يطرح بدوره العديد من احتمالات التوصيف التي يمكن اتخاذها كتأطير لمنتج أو لأفكار تلك المؤسسات، كإطار تكميلي لمشروعات الثقافة الرسمية كضريبة مدنية مقابل الفسحة المُعطاة للتحرك، فسحة تذكرنا بقول طرفة بن العبد:

لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى

لكالطول المُرخى وثنياه باليد

وهو إطار يدعم استراتيجية الثقافة الرسمية ولا يغيرها، وقد يكون ما بين الإطار تصحيحيا أو ترقيعيا لثقوب المشروع الثقافي الرسمي، لكنه يهدف في النهاية إلى إيجاد صيغة تكاملية مع المشروع الثقافي الرسمي، وليست إضافة، وهو ما يحول المؤسسات لثقافية الأهلية إلى صياغة مرادفة لصياغة المشروع الثقافي الرسمي.

إذن يمكن توصيف المشروع الثقافي المنتج من خلال المؤسسات الثقافية الأهلية، - في حالة وجود مشروع ثقافي- بأنه مشروع ثقافي مناقض للمشروع الثقافي الرسمي، ولو كان الأمر كذلك لعارضت الحكومات العربية استقبال أي مؤسسة ثقافية على أرضها، لكن ما يحدث دائماً هو مباركة الحكومات العربية لتلك المؤسسات بما يعني أن هناك نفعية متبادلة بينهما، أو على الأقل أن تلك المؤسسات لا تمثل خطرا على الاستراتيجية الثقافية للحكومات، وبذلك تصبح الأهداف الثقافية التي تتحرك في ضوئها المؤسسات الثقافية مدعمة للمشروع الثقافي الرسمي بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وحتى الترقيع الثقافي الذي تمارسه عبر الدعم المادي للمجهودات الثقافية الفردية الجاهزة لا يؤكد الاستقلال السياسي لتلك المؤسسات الثقافية؛ لأن تلك المؤسسات لا تستطيع منح أي جائزة لمعارض سياسي أو ثقافي عربي يحظى بغضب أي حكومة عربية، أو دعم مشروع يتعارض مع استراتيجية الثقافة الرسمية.

فالمؤسسات الثقافية في أشكالها المختلفة ليست مستقلة سياسيا وهو أمر يعوق تحولها إلى مشروع تنويري إصلاحي، حتى تلك المؤسسات الثقافية التي تُؤسس خارج بلادها، لا تمثل أي استقلال سياسي بمعطى تغيير المكان، هو ما يعني في النهاية أن المؤسسات الثقافية الأهلية تسير تحت السقف السياسي الرسمي سواء المحلي أو العربي، وهو السبب الذي يدفعنا إلى التشكيك في النوايا التنويرية لتلك المؤسسات، كما يعني أن تلك المؤسسات ضمنيا تمثل ثقافة السياسات الثقافية الرسمية، أو أنها تتشابه معها في الملامح الرسمية، أو على الأقل لا تمثل اتجاها معاكسا، يهيأ لها النقد الإجرائي للاستراتيجية الثقافية الرسمية والحق في تغييرها.

ولا أدري مدى الوثوق في الأفكار الثقافية التنويرية التي تروجها تلك المؤسسات في ضوء ذلك التحالف مع الثقافة الرسمية، خاصة وأن ليس لها مشروعات ثقافية يمكننا استقراءها لإثبات ذلك التحالف أو نفيه؛ لأن المتتبع لم تقدمه المؤسسات الثقافية الأهلية في أشكالها المختلفة كجوائز أو صالونات أو هيئات لا يتجاوز الدعم المالي للجهود الثقافية الجاهزة، وهو أمر يُفقد تأثيرها على التحكم في نشوء المنجز وصياغته، لأن توافر آلية التحكم تضمن فعالية التأثر والتأثير بما فيه تطبيق المشروع الثقافي الإصلاحي.

إضافة إلى أن مسألة الترشيح كاستراتيجية ثقافية تتبناها المؤسسات الثقافية الأهلية للمجهودات الثقافية الجاهزة، هي مسألة ظالمة غالبا، لأنها تفتقد موضوعية الانتقاء، وأقصد بالانتقاء قوة المنجز الثقافي بما يحمله من مشروع تنويري قابل للتطبيق، وهذه مسألة مهمة أيضاً وهي دور المؤسسات الثقافية الأهلية في تطبيق المشروعات التنويرية التي تنّظر لها المنجزات الثقافية، وليس الاكتفاء بالتشجيع المادي عبر الهبات المالية التي لا تحقق سوى المصلحة الفردية لصاحب المنجز الثقافي، وليس لمصلحة تطبيق المشروع الثقافي في المجتمع، وهذا ما يجب أن تراعيه المؤسسات الثقافية إذا كانت تهدف إلى تحصيل فاعلية تغيرية أو تنويرية إصلاحية.

وليس السعي إلى تلميع سيرة ذاتية لأمير من الأمراء أو شيخ من شيوخ الرأسماليين، أو مثقف متقاعد، فهؤلاء هم الذين أصبحوا يتحكمون في ثقافة المجتمع ويفرضون عليه ذائقتهم الثقافية الخاصة، وخطورة مثل هذا الأمر يكمن في تراجع الثقافة الشعبية لمصلحة بروز أشكال الثقافة النخبوية.

أما الأسئلة التي تعترض جدية المؤسسات الثقافية الأهلية في تفعيل دورها التنويري كمؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني، فهي:

هل لدى تلك المؤسسات الثقافية القدرة التخطيطية والتنفيذية لقيادة ثورة ثقافية تعيد بلورة التنمية الثقافية للمجتمعات العربية؟

لا شك ان جملة الأهداف الإنشائية التي تتصدر وثيقة تأسيس تلك المؤسسات، التي مهما بلغت فنياتها اللغوية لا تحل محل التخطيط الإجرائي، وإن اعتبرنا أن أهداف التأسيس قوالب تصميمية لا يتم تقويم اعتباراتها إلا بما تحتويه من مشروعات تنفيذية.وهل تملك تلك المؤسسات السلطة المستقلة الكافية لتطبيق المشروعات الثقافية التنويرية التي قد تتعارض مع استراتيجية الثقافة الرسمية ؟ لأن تمتعها باستقلال سياسي حقيقي هو ضمان مؤكد لجديتها ومصداقيتها كقائد أو عراب للتنمية الثقافية.

ثم ما مدى المسؤولية الأخلاقية والتنموية لتلك المؤسسات نحو المجتمعات العربية المنكوبة مثل غزة والعراق ودار فور؟ من خلال تبني المشروعات الثقافية التي تدعم الوحدة المحلية لتلك المجتمعات، مع الاعتبار أن مفهوم الوحدة وقيمتها محتوى ثقافي في المقام الأول، ومن خلال إنشاء المرافق التعليمية والمراكز الثقافية، ومن خلال الوقوف وجه مشروعات التنصير في العراق ودار فور، وتهويد التاريخ الفلسطيني، وتبني المشروعات التوعويّة من خلال صناعة أفلام سينمائية تٌقدم للعالم الغربي الصورة الصحيحة للإسلام والمسلم والتاريخ الإسلامي وقضايا العرب بما فيها قضية الحرب والسلام مع إسرائيل، لأن (ما نجهله يسهل تزييفه).

أما مسألة.. هل نجحت المؤسسات الثقافية المحلية في قيادة إصلاح ثقافي عندنا؟ ولماذا يُؤسس بعضها خارج البلد؟ فتلك مسألة الحديث عنها يطول.

* * *

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMSتبدأ برقم الكاتبة«7333» ثم أرسلها إلى الكود 82244

جدة


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة