استكمالاً للحلقة الأولى عن د. حمزة المزيني وكتابه (ثقافة التطرف) أستفيض من مناقشة بعض تفصيلات الكتاب لوضع القارئ أمام الأخطاء والمغالطات وتصحيحها.
في ص113 ينتقد ثابت سد الذرائع والعجز الذي تواجهه المؤسسة باستخدامها لهذا الحل في مواجهة الحادث الجديد وللرد على د. حمزة، ينبغي التذكير بأن وسيلة سدّ الذرائع لم تعد وسيلة دينية لمقاومة المنكر، بل ازدهرت كوسيلة ليبرالية بل وعلمانية للحد من تجليات الظاهرة الإسلامية الدعوية أو ما يسمى بالإسلام السياسي فكتابات الليبراليين المطالبة بإغلاق ومنع وسد باب ذريعة الجمعيات الخيرية دليل على أنها وسيلة ناجعة لمنع انتشار خطأ رآه الليبراليون كذلك، فلجأوا إلى ثقافة المنع وثقافة سد الذرائع التي كانت مستهجنة ومتخلفة قبل أن يحتاجوا إليها.
في ص120 يطالب هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بترك المنكرات الصغيرة (على حد تعبيره) والانشغال بالأهم كالجريمة ومتابع المجرمين. وهذا يستدعي الاستغراب من وجهين؛ الأول أن تَدَخّل الهيئة في هذا تطفل وظيفي وهذه ليس من واجباتها إلاّ إذا كانت من واجبات د. حمزة. والنظام حدّ ولكلٍ مهمته حماية المجتمع وغير هذا فوضى. والثاني هو أن الهيئة مستهدفة من د. حمزة وهي تمارس دورها في مقاومة المنكرات فكيف بها وهي تقاوم الجريمة حيث ستكثر أخطاؤها وستتهم أكثر بإساءة الظن بالمجتمع لاسيما أن د. حمزة يطالبها بمتابعة المجرمين.
في ص 139 يقول د. حمزة (تقوم قاعد سد الذرائع على إدعاء علم الغيب ذلك أن من يقول بها يجزم بأن نتيجة أمر ما ستكون على شكل معين مع أنه لا يعلم الغيب إلاّ الله).
ويستنكر في مقام آخر (وهذه التخويفات كلها مبنية على إدعاء علم الغيب عما سيحدث لو سمح للمرأة بقيادة السيارة بالإضافة إلى قيامها على سوء الظن بالناس جميعاً وبالمرأة خصوصاً)، د. حمزة يتهم من يتوقع بإدعاء علم الغيب وهذه نقلة مهمة في الجدل الليبرالي وإضافة غريبة لأدوات تحليلية وأما قوله (بالناس جميعاً) فهو احتماء وعسكرة المجتمع ضد الخطاب الديني وكذلك قوله (بالمرأة خصوصاً) ود.حمزة يعي جيداً أن المرأة ليس متهمة في ذاتها بل هي محل ثقة ولكن الخندقة ضد الظاهرة الدينية تتطلب تكثير السواد ضدهم والمرأة حشرت هذه المرّة في خانة السواد ولعل هذا من الاستخفاف بقيمتها وكثيراً ما يسيء د. حمزة الظن بالمجتمع السعودي المحافظ حيث يصف رغبته في منع الاختلاط إلى سوء الظن والفكر الصحوي على الرغم من أن الرسول - صلى الله عليه وسلم- أكد في صحيح مسلم أن خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها وخير صفوف الرجال أولها وشرّها آخرها فكيف يفسر د. حمزة كلمة (شرّها).. وهل هذا من سوء الظن بالصحابة.. كيف وقد فسر الإمام النووي هذا الحديث تفسيراً يؤكد سد الرسول صلى الله عليه وسلم للذريعة.. فهل الإمام النووي صحوي.
في ص143 يقول د. حمزة كلاماً غريباً والأغرب أن انتخبه في هذا الكتاب (ومن المعلوم أن هذا العزل يترك آثاراً أخرى على التواصل الاجتماعي: فمن ذلك أن كثيراً من الرجال لا يرافق زوجه في زيارتها لأقاربها لأن الرجل يعرف أنه سيكون حبيس مجلس الرجال مع مضيفه أو مضيفيه القلائل وهو ما يجلب الملل دائماً ذلك أنه سرعان ما تنضب القرائح) والرد يتشعب إلى التعليق على قوله (من المعلوم) ونسأل (من المعلوم عند من؟) ثم إن هذا الكلام فيها إساءة الظن بالأزواج. وأخيراً فإن منع الرجال عن النساء يفجّر القرائح ولا ينضبها وبل ويخصب الخيال والإبداع الجمالي الشعري.
والمشكلة أن د. حمزة يعيش توتراً ويريد تعميمه على المجتمع وأجزم أن أحداً لا يشعر بهذا التوتر وما يزيد توتر د. حمزة أنه يعيش التوتر وحده.
في موضوع (المناظرات المذهبية) يتهم د. حمزة المناظرات العقائدية ب(أنها توسع شقة الخلاف بين المسلمين بدلاً من إشاعة التعاذر بين طوائفهم المختلفة) وهذا كلام رومانسي لا يملك د. حمزة أبسط كيفية لمعالجته إنما هو كلام في الهواء فقط لتسجيل مساهمة شعاراتية. ويقترح في ص100 أن يسند هو إلى العقلاء غير المؤدلجين من المنتمين إلى المذاهب مهمة التقريب بينهما والمشكلة عند د. حمزة أنه سيضيف مذهباً ثالثاً في الجدل العقائدي يزيد أطراف النزاع ولا يوفق بينها فبدلاً من أيديولوجيين محتقنتين يضيف ثالثةً أكثر احتقاناً. في ص191 يحذر د. حمزة من (البرمجة اللغوية العصبية ودوراتها المتنوعة والتهريج الذي يأتي تحت عناوين براقة مثل (أطلق لنفسك العنان) والبرامج التلفازية الكثيرة التي تقدم وصفات لتحقيق السعادة وتتميز بتصنع مقدميها للتبسم المتكلف الذي يفضح ما يخفونه من الوهم والإيهام.) ومن المؤكد أن د. حمزة يعي أن هذه البرمجة اللغوية العصبية منتج علمي غربي حديث ومن المفترض وقف قناعات د.حمزة أن يسوق لكل ما هو تقدمي ويؤسفني أن أقول إن د. حمزة يحذر منها بسبب انتشار الصحويين فيها وارتباطها بثقافة اللحية ما جعلها هدفاً للدكتور حمزة فضلاً عن أن د.حمزة يدخل في النوايا ويصنفها في قوله (التبسم المتكلف الذي يفضح ما يخفونه من الوهم والإيهام).
في مقاله (يقتلون الناس باسم الله) شن د. حمزة نقده اللاهب على الغرب ورئيس الوزراء البريطاني والرئيس الأمريكي والانقلابات الدموية العربية بين القوميين والبعثيين والأحزاب المؤدلجة غير أن ما لفت نظري للوصف الدموي الذي استغرق أكثر من أربع صفحات لم يصنف هذا كلّه في خانة الإرهاب بل ولم يستعمل هذه المفردة في المقال وكأن هذه المفردة بات حكراً على وصف العنف الديني.
في ص 236 يقول د. حمزة (ومن الأمور المهمة الأولية التي يمكن أن تعمل على الحد من الأدلجة أن يسمح لكل طائفة أن تعلم أبناءها ما تؤمن به من غير أن نعترض على قناعاتها التي تختلف عن قناعاتنا) ... ومن الواضح أن د. حمزة يعرف تماماً النتائج الكارثية لهذا الرأي ويعي أن هذا مدعاة لفتنة طائفية ولكن متعة التناقضان والمغالطات تطغى على د. حمزة وتنسيه التداعيات على المستوى ليس الثقافي والوحدوي بل الأمني.
في مقال (صلاة الجمعة في مصر) يعقد د. حمزة مقارنة بين الحالتين الدينيتين المصرية والسعودية وانتصر مسبقاً للأولى انتصاراً يحمل تناقضاته الممتعة فهو أولاً يصف المصلين في مصر بالخشوع والإخبات وهذا من التصنيف الغيبي الذي حذر منه مراراً ثم أثنى على الخطبة التي تحدث فيها الخطيب عن الوضع الناشئ عن العدوان الإسرائيلي على لبنان وعن الصمود الذي أبدعته المقاومة اللبنانية. ولو كانت هذه الخطبة في السعودية لاتهمها د. حمزة بالتسسييس والتحريض على الجهاد. ثم أثنى د. حمزة على الشيخ المصري الأزهري الذي (يرتدي الزي الأزهري الأنيق) ولو كان هذا الزي المتميز عن الزي المدني والشعبي سعودياً لوصفه د. حمزة بالكهنوتي.
- الرياض hm32@hotmail.com