تبوأ الكاتب الصحفي غسان تويني مكانة مرموقة في الفضاء الصحفي المستقل في العالم العربي، فقد مدتنا تجربته وجرأة قلمه وتمرّده على الواقع المتردي والفساد السياسي، بمرجعية اقتدنا بها، فهو الأستاذ والمعلم الكبير، الذي لم تغوه السياسة، فقد ظل وفياً لقلمه رغم تقلده المناصب السامية سياسياً ودبلوماسياً.
قرأت ذات مرة أن الأستاذ غسان تويني يُقلق العقل بكتاباته، وبالفعل هو كذلك، يقض مضجع كل من يريد أن يقف في وجه قيم الحداثة والديمقراطية وحقوق الإنسان. إنه بمثابة عقل يقظ في أزمنة الشدة العربية. ومثلنا نحن الجزائريين الذين خرجنا من معطف الثورة، مثلما خرج الأدب الروسي العظيم من معطف (غوغول)، وجدناه مسكوناً بحس الثورة والتغيير.
شخصياً وجدت في غسان تويني الكاتب الصحفي الجريء الذي جعل من الحرية مبدأ أساسياً، ومن النقد الذاتي ثقافة تسعى للتأسيس لخطاب الحداثة العربي.. لن أنسى أبداً مقولة غسان تويني (إن الأنظمة أجهضت الثورات وحوّلتها شعارات ثم سطّحت الشعوب). يا له من توصيف ينم عن نظرة ثاقبة لمفكر نقدي.
إن قراءة تويني هي في الحقيقة قراءة عن الثورات العربية المجهضة منذ عصر النهضة، لأن الأنظمة السياسية التي نشأت في ظل الاستعمار حسب اعتقاده منعت الثورة من أن تستمر. ولن أنسى استنتاجاته في أن نخبة المثقفين العرب كانت أقل عطاءً من المثقفين في الحضارات الأخرى، وعندما أقرأ مقاله التأبيني الذي كتبه عن ادوارد سعيد عقب رحيله، أدرك حجم الاحترام الذي يكنه للمثقفين.
ولغسان تويني استنتاجات دقيقة، فيما يتعلق بمصير الثورات العربية، فهو القائل إن هذه الثورة سقطت، وعاشت الشعارات العربية الجوفاء، فتحولت الشعوب العربية إلى كتلة مسطحة، لا تقوى على مواجهة الاستبداد.
كنت دائماً أعيد على نفسي تساؤلات الأستاذ تويني، فهي تعودني بشكل مستمر... لماذا لم تصل الأحزاب إلى تنفيذ مثاليتها في نظام؟ لماذا لم تحوّل الثورة عقيدتها إلى نظام؟ لماذا صار النظام أقوى من الثورة؟ لماذا صار البطل بطل لا شيء؟ بطل الفشل؟ كيف لا أشاطره الدعوة لثورة ثقافية عربية، تعيد للإنسان العربي مكانته، ضمن تصور كوبيرنيكي، يقضي على تقديس غير الإنسان. وهذه الثورة التي يدعو إليها عبارة عن (ثورة على الثورات العربية) العقيمة. إنها ثورة بالفكر، بالكتابة بالاتصال الدائم بقرائه.
يثق تويني ثقة كبيرة في طاقات الشعوب العربية؛ لذلك نجده يدعو لديمقراطية لها خصوصياتها، إذ كثيراً ما ردد على مسامع الجميع: «علينا أن نبني نحن ديمقراطيتنا من ذاتنا. ويجب أن نبني هذه الديمقراطية».
غسان تويني هو صوت ضمير لبنان الحر، فهو الذي صاح ذات مرة مدافعاً عن أرزة: (دعوا شعبي يعيش).
* إعلامي - مدير عام مؤسسة الخبر الجزائرية