أحب لبنان، وأحب اللبنانيين، ولي بينهم أصدقاء كثر. أحب فيه ذلك الثرى والتنوع والتعددية والسقف العالي لحرية التعبير، لكنه في الآن نفسه يجعلك تشعر بالخوف المستمر نظرا لهشاشة بنيته الاجتماعية ونظامه السياسي، مما جعله دائما يبدو وكأنه على أبواب انفجار محتمل. لهذا لا أريد أن أرى في هذا البلد إلا أفضل ما فيه، وأتجنب عندما اكتب عنه أو عن رموزه أن أتورط في متاهاته، أو أن أجد نفسي منخرطا في صراعاته الداخلية التي تكاد لا تنتهي، والتي في أحيان كثيرة يبدو لك الحق موزعا بين كل الخصوم أو بين معظمهم الأقل.
لم يسبق لي أن التقيت بالأستاذ غسان تويني، ولم أعرفه عن قرب ، لكن مع ذلك، هناك أكثر من خيط يجعلني مشدودا لشخصيته بقطع النظر عن مدى الاختلاف أو التقاطع معه في هذا الموقف السياسي أو ذاك. فلكل منا تجربته المختلفة ومساره الخاص به. لكن هناك أشخاص يمكنك أن تبني معهم علاقات عن بعد دون معرفة مسبقة، أو حتى مجرد جلسة تعارف. فما الذي يمكن لتونسي مثلي مسكون بحيثيات الواقع المحلي والمغاربي أن يجد في حياة ومسيرة غسان تويني؟.
المهنة المشتركة:
فطرت منذ الصغر على حب الصحافة والولع بلعبة الكلمات ومحاولة تأسيس خطاب التواصل مع الجمهور. وخلافا لزملائنا في المشرق العربي، الذين نادرا ما يبذلون جهودا بسيطة للإطلاع على ما يكتبه الصحفيون في دول المغرب العربي، ترانا نحن من ليبيا إلى موريتانيا نكاد نتابع يوميا أو أسبوعيا ما يخطه هؤلاء وما يعبرون عنه من آراء أو يخوضونه من معارك. ورغم شعور أعضاء الأسرة الصحافية المغاربية بأنها تكاد مهملة في المشرق، إلا أنها تواصل رصد ما ينتجه الآخرون، فيعرف عناوين الصحف المصرية واللبنانية والكويتية وغيرها، ولهم إلمام بمؤسسيها وكتاب زواياها وأعمدتها الكبار وحتى أحيانا الصغار منهم، ويستفيدون من أساليبهم في الكتابة الصحافية، رغم الاختلافات القائمة بين المدرسين من حيث بنية المقال ومعجم المصطلحات وغير ذلك من تقنيات الكتابة الصحفية. في هذا السياق، لم يكن من الممكن أن أقفز على صحفي محترف وقدير مثل الأستاذ غسان، الذي يقر له الجميع بثراء التجربة، والإمتاع في الكتابة.
صحفي.. ولكنه مثقف صاحب رأي:
الصحفيون أنواع، وهم يتكاملون في اختصاصاتهم حيث لكل منهم نقطة قوة تبرر استمراره في المهنة، لكني كثير الانتباه لنوعية خاصة من الزملاء الذين تتوفر لديهم خلفية ثقافية وفكرية، تخرجهم من دائرة الجري وراء جزئيات الخبر، وتعطيهم القدرة على تفكيك الأحداث وإعادة بنائها وفق منظور اشمل يأخذ بعين الاعتبار مكونات الزمان والمكان والسياق، مع الرغبة المتواصلة في اتخاذ مواقف مما يجد من تطورات على مختلف الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية. فانا أميل إلى الصحافي المثقف، ويعتبر الأستاذ غسان من هذا الصنف من الصحافيين نظرا لانتمائه لأسرة عريقة منخرطة تماما في الشأن العام، إلى جانب دراسته الفلسفة بالولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما جعله صاحب موقف قبل أن يحترف الصحافة.
لعبة السياسة والصحافة:
البعد الآخر في شخصية الرجل الذي شد انتباهي كونه ينتمي إلى صنف الصحافيين الذين دخلوا المهنة من بوابة السياسة. وبالرغم من أن هذه الظاهرة لا تزال ملازمة لعالم الصحافة، إلا أنها اكتسبت أهمية خاصة في المراحل الأولى من تأسيس الصحافة العربية. لقد حدث ذلك في أكثر من مكان، حتى يمكن القول أحيانا بأن فضل الصحافة على رجال السياسة كبير جدا، وأن الحراك الإعلامي الذي أحدثته عديد الصحف التي ولدت هنا وهناك، هي التي مهدت وأسهمت بقوة في إنشاء حركات التحرر الوطني في معظم البلاد العربية، ووفرت الفرصة والمناخ لبناء الزعامات السياسية المحلية والقومية وأضفت عليها نوعا من السلطة المرجعية والرمزية التي ساعدت على بناء رأي عام فاعل، وتأسيس قوى اجتماعية قادرة على التفاوض وإدارة الصراع مع الأجنبي من جهة، وتعميق النقاش حول مسائل استراتيجية أفضت في النهاية إلى نشوء أنماط متعددة من الثقافة السياسية والنخب القيادية في البلاد العربية. وتقدم تونس والمغرب ومصر ولبنان نماذج ثرية في هذا السياق. فبورقيبة اتخذ من الصحافة وسيلة فعالة لنشر وعي وطني مطلبي. ولولا التزامه بالكتابة بشكل أسبوعي، وخوضه مع زملائه معارك سياسية واجتماعية وحتى ثقافية ودينية لما عرفه الناس، وبالتالي لما فكر بعضهم في الالتفاف حوله من اجل إحداث الانشقاق الشهير في صلب الحزب الدستوري القديم وتأسيس حزب جديد، سرعان ما انفرد بقيادة الحركة الوطنية.
وتكررت التجربة مع زعامات سياسية أخرى في بلدان عديدة. لكن ما يميز الأستاذ غسان تويني، أنه بالرغم من التزامه السياسي، إلا أنه بقي وفيا لمحراب الصحافة. لم يخن المهنة، ولم ير فيها مجرد أداة تفقد أهميتها بعد الوصول إلى الأهداف الشخصية أو السياسية التي توضع بشكل مسبق. فالزعيم التونسي الحبيب بورقيبة، عندما تربع على عرش الزعامة، ومال ميزان القوى لصالحه، ودانت له البلاد بكاملها بعد الاستقلال وتصفية معارضيه من أنصار غريمه المرحوم صالح بن يوسف، كان من بين الاختيارات التي سارع إلى تنفيذها وإقرارها تعليق الحريات الصحفية، وتحويل الصحف إلى مجرد منابر أو أبواق دعاية، لا هدف لها إلا تقديس (المجاهد الأكبر) (وهو اللقب الذي كان يفضله) والعمل على تنزيهه من كل الأخطاء، ومنع وصول الصحافيين إلى مصادر الخبر والحيلولة دون تعميق التعددية الإعلامية والسياسية والاجتماعية.
أما غسان التويني فكان يخوض معاركه السياسية عن طريق الصحافة بشكل علني وواضح، لكنه سواء كسب تلك المعارك أو خسرها، فإنه بقي مصرا على البقاء داخل المعبد ، معبد الكلمة والخبر والتعليق الحر والكشف عن الحقيقة سواء في كليتها أو في جزئيتها. وبالرغم من ثقافته السياسية في مطلع مسيره لم تكن تمجد حرية التعبير أو تتبنى الديمقراطية كأنموذج أفضل للحكم، بل خلافا لذلك كانت الأيديولوجية القومية - سواء في نسختها البعثية أو الناصرية أو أدبيات الحزب القومي السوري - تستند على أولويات مختلفة بل ومتناقضة تماما. مع ذلك حصلت حالات التباس كثيرة جعلت الرجل متذبذبا بين الصحافة التي هي حرية و «استقلالية» أولا تكون وبين الحزبية الضيقة التي تجعل من الحزب بمثابة الصنم الأعلى الذي تقدم له كل القرابين وفي مقدمتها حرية التفكير والتعبير.
وأخيرا، ورغم توليه مناصب وزارية عديدة، وانخراطه أحيانا في تحالفات يصعب الدفاع عنها، فإنه اختار بعد رحلة شاقة وقاسية في عالم السياسة أن لا يتمرد على معقل الصحافة أو يفكر في هدمه في حالة الإحساس بأن الصحافة قد تتعارض مع مصالحه السياسية. لقد تغلب البعد الصحفي في شخصية غسان تويني على بقية الأبعاد الحزبية والسياسية والطائفية. هكذا بدت لي الصورة من بعيد. وعلى كل فإن حالة التجاذب بين السياسة والصحافة تبقى من أثرى الجوانب التي جعلتني مشدودا ومدفوعا للتوقف عند مسيرة هذا الرجل الذي لا يزال رغم تقدم السن وعمق الجروح وكثرة الخسائر يتجه يوميا ليجلس في مكتبه بصحيفة « النهار » في قلب بيروت.
غسان الإنسان الجريح:
رغم أهمية الأبعاد التي سبق ذكرها، والتي شدتني في حياة الرجل، لكن معاناته كإنسان شكلت العامل الحاسم الذي لم يكن بالإمكان أن يجعلني محايدا أو مجرد مشاهد لشريط تراجيدي. كم هي قاسية السياسة في لبنان. إنها أشبه بعروس البحر التي تغري الصيادين بصوتها وجمالها، حتى تستدرجهم لقاع البحر. في لبنان يبدو لك العمل السياسي أمرا مباحا، يمكنك أن تجعل منه هواية، كما يمكن أن تحوله إلى حرفة. في لبنان أنت حر في أن تقول ما تشاء، وأن تنخرط أو تؤسس ما تريد من الأحزاب والتنظيمات. يمكنك أن تنتقد رئيس الجمهورية، وأن تسحل لفظيا دولة رئيس الوزراء. كما باستطاعتك أن تنظم تجمعا، وأن تحتل ساحة برمتها، وأن تنزل إلى الشارع أكثر من مليون بشر. ويمكن في لحظة من اللحظات أن تشعر بأنها تمثل سلطة فعلية فوق كل السلطات، ويبلغ بك الإحساس بالانتشاء فتعتقد بأنك في ديمقراطية بلا ضفاف ولا حدود. ديمقراطية لا تكلفك شيئا كثيرا سوى بعض الأموال والأنصار. ديمقراطية تحسسك بأنك في مأمن من كل المخاطر التي تواجه المعارضين في الأنظمة الفاشية والدكتاتوريات القديمة والحديثة. فجأة، وبينما أنت في غمرة رقصة الانتشاء والعظمة والإحساس بالحرية المحدودة، فجأة يحدث اللامعقول، ويبرز الوجه اللا إنساني لهذه اللعبة الخطرة.
الديمقراطية اللبنانية يمكن أن تقتل أبناءها:
تحدث الجريمة في أبشع صورها. يعم الصمت.. صمت القبور. يأتي الموت من حيث لا يحتسب أحد، لا تحول دونه آخر تكنولوجيا الوقاية وأكثر الفرق المختصة في حماية الشخصيات. (الجريمة الكاملة) احتمال ممكن في لبنان فقط. يقع انتقاء الضحايا من بين الرؤوس الكبيرة، تنفذ الاغتيالات بدقة عالية وبحرفية لا يعرفها الهواة، ثم يختفي منفذوها مثلما يتبخر الأشباح، ولا يتركون وراءهم آثارا قد تدل عليهم، فإذا بالجريمة تفتح المجال أمام عشرات التأويلات والاحتمالات. وإذا الجريمة تصبح عنصرا إضافيا لتعميق الاختلاف والشقاق بين اللبنانين. هكذا تجري الأمور في لبنان منذ مقتل الحريري، ولا أحد قادر على أن يجمع الأدلة ويعين بشكل قاطع قائمة الجناة. لكن كل الذين تم اغتيالهم دفعوا ثمن قرارهم بأن يواصلوا العمل السياسي إلى آخر أشواطه. أي أن الديمقراطية في لبنان يمكن أن تقتل أصحابها إذا ما أصروا على تجاوز الخطوط الحمراء، تلك الخطوط غير مكتوبة أو متعارف عليها بالضرورة، لكن المحترفين يعرفونها أو أنهم يحسون بها عندما يقتربون منها ويقررون تجاوزها عن سابقية إضمار وإصرار. ولهذا ترى العديد منهم قبل أن يلقى حتفه يسر لمن حوله في لحظة من اللحظات بأنه يمر بمنطقة ملغومة وأنه يحس بقاتله يقترب منه، وتكون تلك وصية النهاية.
فقد غسان التويني ابنته على إثر مرض أصابها، ثم ضاع منه ابنه على إثر حادث سير فضيع. ولم يبق له سوى جبران. هذا الذي منحه الله كل شروط الوراثة، وراثة أبيه وجده، من ثقافة وافتتان بالشؤون العامة، وحب للصحافة والكتابة، وأناقة تسمح له بتحقيق الاختراق الجماهيري. وكان حبه للسياسة شديدا إلى درجة التمرد على كل الخطوط الحمراء. وفي اللحظة التي كاد أن يطمئن فيها غسان تويني ويغمره شعور بأنه في إمكانه أن يستعد لمغادرة حياة حافلة بالحركة والتحولات والانقلابات العاصفة، ويترك مكانه لولده يواصل المسيرة، وقد يحقق ما عجز هو عن تحقيقه، فإذا بالسياسة تنتقم منه في آخر لحظة بأشد وسائل الانتقام، لم تقتله، ولكن اختطفت منه جبران. كم هي قاسية ووحشية السياسة في لبنان، هذا البلد الذي نحبه، وأصبحنا نخافه ونخاف عليه.
غسان يواصل الحياة:
كان يفترض أن يكون اغتيال جبران تويني جريمة مزدوجة. أي قتل للابن والأب معا. فكلاهما واحد، وكلاهما مستهدف. لكن بالرغم من ذلك، لم يمت الأب، ولم يتحول إلى حطام آدمي، ولم يقتد بالخنساء في رثاء أخيها، ولم ينسحب من المعركة، ولم يترك جهنم السياسة، ولم يكفر بالديمقراطية اللبنانية التي تحمل الموت أحيانا لبعض المغامرين في سبيلها. بل على العكس من ذلك كله، أصر غسان على مواصلة التحدي. إنه يكتب بنفس الاندفاع، وينتقد بنفس القوة، ويتمسك بلبنان كما يتمنى أن يراه.
هذا الوجه الآخر من شخصية غسان هي التي جعلتني مشدودا إليه، أقف أمام قصته بكل إجلال، رغم أني لا أعرفه، ولم يسبق ان كتبت عنه، وقد لا أشاطره مواقفه السياسية، لكني لا أستطيع أن أكتم ثورتي أو أكبت تعاطفي وأنا أشاهد إنسانا يتعرض هو وعائلته للنسف المادي والمعنوي لا لجريمة ارتكبوها وإنما بسبب أفكار وآراء آمنوا بها وعبروا عنها.
أكثر من ذلك، لم يتحول غسان إلى طالب ثأر. لم يعتبر أن العنف المضاد هو الرد «الطبيعي» عندما تواجه الكلمة بالرصاصة. لم يتخل عن إيمانه بأن التغيير السلمي هو اختيار استراتيجي وليس تكتيكيا مهما كان حجم الضريبة، ومهما كانت قسوة العدو الغامض. لم يفكر غسان في أن يتحول إلى زعيم مليشيا، تفكر في الظلام، لتصب الزيت على النار، وتعلنها حريقا يأكل الجميع. لو فعل ذلك أو فكر فيه لاحترقت بقايا الفلسفة التي تعلمها في أمريكا، ولانتقل من عالم السياسة إلى عالم البلطجة، وعندها ينتحر وينتهي كل شيء.
الدين والحرية قيمتان غير متعارضتين:
آخر ما شدني في غسان تويني نزعته الإيمانية، فهو من الذين يبحثون عن تأثير الإيمان في سلوك الفاعلين الاجتماعيين. فالحقيق الإلهية من وجهة نظري موزعة بين البشر وكل الديانات، لكني أبحث عن أثرها في سلوك أصحابها وفي نظرتهم لأنفسهم وللآخرين. لأن هناك إيمان ينمي لدى أصحابه الحقد والأنانية المضخمة وتجعلهم الجنة والأرض، وهم في عداء مع الآخرين لمجرد الاختلاف معهم حتى داخل الدين الواحد. وفي المقابل هناك إيمان يدمج صاحبه في حالة من التفاعل والتكامل مع الوجود المتنوع، فإذا به يستمد إيمانه من إيمان الآخرين رغم اختلاف القبلة والشعائر واللغة والنصوص المرجعية.
فبالرغم من اللغط الذي يزداد حول الحرائق التي اشتعلت هنا وهناك باسم الدين عموما، وباسم الإسلام تحديدا. لكن غسان تويني لم تخدعه حالة الهيجان والخلط المقصود رغم إخلاصه لمسيحيته، ورغم اختلاط الأوراق وكثرة النافخين في أبواق الفتنة. لقد بقي يرد على من يجرؤ بالقول من كبار العرب الذين يقولون (إن حيث الدين، لا حرية، وحيث الحرية لا دين). وعقب ذلك بقوله (الحقيقة ان الدين والحرية متلازمان، فلا دين بلا حرية، ولا حرية بدون الدين). وبذلك يكون قد انتصر إلى كل دعوة يسعى أصحابها إلى تحرير الدين من كل سياسة تتخذ من الحقد والإقصاء والتعصب والموت ثوابت في تعاملها مع الإنسان والعالم. وهكذا لم ينخرط غسان تويني في جوقة الحرب الباردة المستمرة منذ سنوات بين جبهتي العلمانيين والإسلاميين، والتي لم تزد أجواء الحرب إلا تلبدا. كما ذهب إلى حد القول بأن الأصولية الإسلامية لا تولد الإرهاب بالضرورة. وإنما الإرهاب من وجهة نظره يكون وليد (ثقافة اليأس) التي (تشعلها النيهيلية)، معتبرا أنه (ثمة حاجة إلى نهضة إسلامية، وإلى حوارات تقول نعم للحرية، للعدالة، للديمقراطية) وتدعو الى مشاركة ديمقراطية بين كل المسلمين، والمسيحيين أيضا. وبهذه الروح والعقلانية يكون غسان تويني قد عانق أكثر الإشكاليات تعقيدا في واقعنا العربي والإسلامي الراهن. رفض الدعوة إلى القطيعة الأبستيمولوجية التي ترددت كثيرا في عالمنا العربي خاصة منذ هزيمة 67 عندما حمل بعض المثقفين العرب الدين مسؤولية الانهيار السياسي والعسكري والثقافي.
وما رفضه لهذا الدعوة لها إلا اعتقادا منه بأنها محاولة لا تاريخية للقفز على بنية اجتماعية وثقافية شديدة التعقيد. فالتراث لا يموت، والمجتمعات لا تتغير من خارج انساقها، والقيم لا تلغيها الأيديولوجيات، ولهذا وجد غسان تويني نفسه أقرب إلى دعاة الإصلاح الديني الذين يحاولون منذ قرنين في العالم الإسلامي أن يجعلوا من مقاصد الدين الآلية الرئيسية التي تحررها من ثقل الماضية والتجربة التاريخية، وتربطه بعلاقة جدلية مع هموم الناس وتحديات الحاضر وتطلعات المستقبل.
هكذا تأسست علاقتي عن بعد بغسان تويني الإنسان، بقطع النظر عن تفاصيل ومنعرجات مسيرة غسان تويني السياسي.