إن اسم غسان تويني مرتبط ارتباطاً عضوياً بتاريخ لبنان الحديث، سواء في الحياة السياسية أو الأدبية والفنية، احتلّ غسان تويني مركزاً مميزاً في المجتمع اللبناني عبر شخصيته القوية وثقافته العالية فحوّل مؤسسة (النهار) الإعلامية إلى منبر مدوٍ لكل معارك وقلاقل لبنان خلال أحداث المنطقة المأساوية.

وما أعطاه هذا التأثير الكبير على الحياة العامة السياسية والفنية والأدبية كونه وريثا صحافيا بارزا، هو والده جبران الذي أسس جريدة النهار، وشاهداً وعاملاً في نفس الوقت في الشأن العام، فهو تبوأ مراكز عدة في النيابة والوزارة والدبلوماسية، كما كان له وجود إعلامي مكثف سواء أكان في مراكز المسؤولية أو خارجها عبر كتاباته المستمرة، وبخاصة افتتاحيته في جريدة (النهار) اليومية. هذا بالإضافة إلى ما وضعه من مؤلفات أثّرت أيضاً على الرأي العام اللبناني إلى جانب المؤلفات العديدة التي أصدرتها دار النهار للنشر وهي جميعها مؤلفات ذات شأن في تاريخ لبنان والمنطقة.

لذلك، قلما أثر رجل في حياة لبنان المجتمعية مثلما أثر غسان تويني، وأقرب نموذج قد يكون ميشال شيحا الذي أيضاً مارس نفوذاً واسعاً ومتعدد الجوانب في حياة لبنان الفكرية والسياسية عبر مقالاته اليومية باللغة الفرنسية. وربما يظهر غسان تويني بعد أن ترك معتقداته الأولى القومية السورية كمتابع لنهج ميشال شيحا ورؤيته للبنان ضمن المنطقة العربية: لبنان الواحة الحضارية الملتصقة بالغرب وبالأقطار العربية الموالية له، والمتمسكة بحريتها في هذا الشرق الذي تدور فيه منذ مئتي سنة معارك عملاقة من الطابع الجيوسياسي للهيمنة عليها، وقد دفع غسان تويني غالياً من حياته الشخصية ثمن مواقفه ومواقف (النهار)، خصوصاً مع بداية القرن الجديد، حيث قاد وابنه الشهيد جبران حملة الانتفاضة على الأوضاع القائمة في لبنان.

وإذا كانت جريدة (النهار) قد تحولت في السنين الأخيرة إلى منبر إعلامي شديد اللهجة في الأمور السياسية اللبنانية وفي مشاكل المنطقة والموقف من النظام السوري، فقد استمرت رغم ذلك تؤمن الحد الأدنى من تعدد الآراء للمحافظة على الأمانة الصحفية، وذلك خلافاً لبعض وسائل الإعلام الأخرى في نفس خطها السياسي، فهذا الخط السياسي أصبح يقترب من مواقف المرحوم شارل مالك، الشخصية السياسية الفكرية اللبنانية البارزة، التي تميزت دوماً بإعجابها وموالاتها للمواقف الأمريكية في السياسة الدولية والإقليمية. وهذا ما يطرح السؤال الكبير الذي يقلق اللبنانيين ولا يجد جواباً توافقياً عليه: ألا يجب أن يبقى لبنان وفياً لميثاق الاستقلال، أي الابتعاد عن سياسة المحاور الدولية والإقليمية التي تؤدي دوماً إلى استعمال لبنان ساحة تجاذب وتناحر بين الشرق والغرب. من منّا لا يذكر أن غسان تويني نفسه كان قد وصف الفتنة الكبرى التي حصلت في لبنان بين 1975-1990 بأنها (حرب من أجل الآخرين) وهو عنوان مؤلف مهم من مؤلفاته!