غسان تويني صاحب صحيفة النهار ظاهرة فذة وفريدة في حياتنا العربية، إنه رائد من رواد حرية الكلمة وحرية الصحافة، وقد كرس حياته كلها من أجل معركة الحرية والديمقراطية والتعددية السياسية في وطنه لبنان، وصمد في وجه الرياح العاتية وظل وفياً لمبادئه وأخلاقه الرفيعة التي وفرت له مكانة وحصانة في مجتمعه ومحيطه العربي، وحين تشكلت الكتلة التاريخية لحماية استقلال لبنان والتي اهتدت بأفكاره على مر السنين، وقع الحدث الجلل وفقد نجله جبران تويني الذي حلق عالياً في سماء لبنان، وقال كلماته الخالدة لملايين اللبنانيين (نقسم بالله العظيم، مسلمين ومسيحيين، أن نبقى موحدين إلى أبد الآبدين، دفاعاً عن لبنان العظيم، عشتم وعاش لبنان). إنه المنعطف الحاسم في تاريخ لبنان وفي مسيرة غسان تويني للخروج من الماضي واقتحام أبواب المستقبل، ويردد بصبر وإيمان ما قاله للعالم قبل ربع قرن (اتركوا لبنان يعيش)، ولا يتراجع غسان تويني عن مبادئه وأخلاقه بل يزداد إصراراً وتصميماً على مواصلة الريادة في عالم الحرية الذي يجتاح لبنان كالإعصار. إنه الميلاد الجديد لشعبه بعد السنوات العجاف التي سرقها الطغاة من تاريخ لبنان.
خاض غسان تويني المعركة الصعبة، معركة الأفكار والقيم والمبادئ الحديثة تماماً كما فعل الرواد الأوائل الذين احتضنتهم بيروت في زمن الاستبداد، وأول ما يستوقفك عند غسان تويني هو لغته وكلماته، وهو يقدم لقرائه أفكاره ومواقفه، إنه ينفر من اللغة الشائعة والصيغ الجاهزة وينحت مفرداته وجملة ليؤدي المعنى الذي يريده بعيداً عن الدارج والسائد. إنه مدرسة لغة ومدرسة أفكار، ومن هنا جاء تمايز (النهار) وفرادتها وخصوصيتها العصية على التصنيف والأحكام المسبقة، (ومعجز غسان) أنها صحيفة يومية للجمهور وليس للنخبة، إلا أنها كتاب جديد يصدر كل يوم وفيه كل جديد في اللغة والجملة والموقف والعناوين. إنك، وأنت تقرأ النهار، مطالب بالجدية والانتباه والتركيز وسرعة البديهة، لتواصل الرحلة الطويلة والشاقة مع غسان تويني إلى المستقبل الذي يبشر به، وأول ما تتعلمه استقلالية التفكير ومنها استقلالية الإرادة وصولاً إلى استقلالية الوطن والأمة، فليس عليك رقابة غير وعيك وعقلك، ومن يحسن استخدام عقله فلا خوف عليه.
هذه معالم مدرسة غسان تويني التي انتصرت بفضل صبره ومثابرته على العطاء الحقيقي لشعبه ولامته، وليس صدفة أن مدرسة النهار تعج بالمدرسين والدارسين، إنها ملتقى رجال الفكر والأدب والسياسة والمبدعين وأصحاب الرؤى الجديدة الذين يقفون الآن بكل شجاعة مع غسان تويني في ملحمة الحرية والاستقلال بعد أن فقد بطلين من أبطال النهار والحرية جبران تويني وسمير قصير. وهل يحتاج غسان تويني بعد هذه الملحمة التاريخية من أجل الحرية التي خرج منها ظافراً ومنتصراً أن نعرج على مواقفه من قضايا الحرية والديمقراطية وحرية الصحافة وحرية الرأي وحقوق الإنسان على مستوى العرب والعالم؟ والمحك لهذه القضايا كلها بعد وطنه لبنان كانت فلسطين، والأساس لديه ينبع من الحقيقة التاريخية المغيبة بأن فلسطين وطن الفلسطينيين، ووطنهم حقهم المغتصب ولم يتردد في زمن التغييب والطمس أن يفتح صفحات النهار لمظلمة الفلسطينيين ويسمع صوتهم للعالم، وفي زمن الفعل الفلسطيني جاءت (علياء الصلح) إلى القواعد الفدائية وقالت كلمات طيبة لياسر عرفات مرسلة من غسان تويني وكانت المقابلة الصحفية التي نشرتها صحيفة النهار في صفحتها الأولى هي الأولى لظهور ياسر عرفات أمام العالم. وفي الصواب والخطأ في المسيرة الطويلة لشعب مشرد، تجد لدى غسان تويني الحقيقة والصدق مقرونة بالمحبة، وقلائل هم الرجال الذين يصنعون التاريخ ويبقى غسان تويني واحداً من هؤلاء القلائل الذين سطروا صفحات مشرقة في تاريخ شعوبهم وتبقى النهار (شعلة الاستقلال ومنارة الحرية).
*الناطق الرسمي لحركة فتح - فلسطين