في برنامج إذاعي شعبي يشبه برنامج بدر كريم (في الطريق)؛ قابله (رضا الفيلي) - أحد أقدم مذيعي الكويت - وسأله - وهما في السوق - عما جاء به، فطلب منه أن يسأله عن (ابن زيدون).
كان ذلك قبل خمسين عاماً (1978م)؛ لنقرأ في الحكاية العابرة ملامحَ غير عابرة لرجل أعمالٍ لم يُلهه الشعر عن الشعر؛ وظّف إمكاناته المادية في خدمة القصيدة ومبدعيها وعاشقيها.
يقدم (عبد العزيز سعود البابطين)- منفرداً - ما تنوء به مؤسسات ثقافية حكومية، وخلال سنوات معدودة قدم خدماتٍ ممدودةً للثقافة العربية ليس أهمِّها (ديوان الشعر العربي) ومنتدياته، ولعل - في طليعتها - جمع المثقفين العرب -على اختلاف ولاءاتهم وانتماءاتهم ومذاهبهم - في حوارات (متنيَّة وهامشية) تتيح تلاقي الإفهام دون أن تتطلب توافق الأحكام.
سنختلف مع هذا الرجل حول أشياء وقضايا؛ فله حساباته ولنا مثلها، وله اقتناعاته ولنا غيرها، لكننا لا نملك أمام إسهاماته في جائزة الإبداع الشعري، وجائزة أحفاد البخاري، ومكتبته المركزية للشعر، وبعثاته للدراسات العليا، ومركزه للترجمة، ودوراته في اللغة العربية، ومركزه للتعاون الأكاديمي، أكثر من الإعجاب به والدعاء له، والتمني على أثريائنا أن يجدوا في نموذجه وسلطان العويس وجمعة الماجد مثالا للاحتذاء.
قدم البابطين خلال عشرين عاما هي عمر جائزته (تأسست 1989) كثيرا من الدروس؛ في مقدمتها أن للمال وظيفة ثقافية إذا أريد له الانعتاق من إسار التشهي كما التشفي، وإذا تجاوز الإبهار إلى الإبصار، وإذا خلا من ندوات المجاملة ومبالغات الإعلام.
أبو سعود قادر على تقديم الأكثر، وبخاصة أن ندواته لا تكتفي بالشعر ونقده بل تمتد للثقافة بأطيافها ومكوناتها، ولعل أمانة المؤسسة تلتفت - في دعواتها ومناسباتها القادمة - إلى جيل الشباب العربي، فمدمنو الحضور من الكهول والشيوخ لا يضيف أكثرهم سوى بهارج الترزز ليرَوا في الصفوف الأولى التي غادرها عطاؤهم منذ أن تناسوا أن المثقف الحقيقي يظل أولا وان اقتعد الكرسي الأخير.
المال أمانة.