ذات صيف كنا ثلاثة نسير نحو المسرح المفتوح في مدينة سوسة التونسية تلك المدينة التي تسكنك منذ لحظة ولادة لقائك بها، لم يحن موعد العرض عندما وصلنا لذلك قضينا بعض الوقت في انتظار لحظة الدخول للمسرح، ومن ثم الدخول للطقس المسرحي لمسرحية (هوى وطني) كنت قد سمعت عن هذه المسرحية، خيل لي أني شاهدتها قبلاً لست أتذكر لذلك لكني أتذكر اسم بطلة العرض كان حماسي شديداً أن أشاهد رجاء بن عمار هذه المسرحية الشديدة الهوى للمسرح، في تونس يكفي أن تقابل اسم رجاء بن عمار لكي تعرف أن ستقابل عملاً جيداً.
في مسرحية (هوى وطني) كانت الممثلة رجاء بن عمار تقف على مسرح القلعة بسوسة كانت تتحدث عن تفاصيل كثيرة قالت: إن الصيف فصل خائب إنه فصل الأغنياء ممن يمتلكون القدرة على شراء الأشياء.. لديهم أجهزة التكييف لديهم السيارات التي يذهبون بها إلى الشواطئ لديهم نقود تكفى لشراء كل شيء. الملابس الصيفية، المثلجات المرطبات. ولا يبقى للفقراء إلا الحر الشديد، والعرق، والثياب الملتصقة بالجسد، والناموس، والماء الحار، وضيقة الخلق.
فكرت قليلاً فيما قالت طاردني السؤال:
- هل الشتاء فصل الفقراء؟ إنه أيضاً فصل الأغنياء.. فلديهم المنازل الجيدة ووسائل التدفئة والملابس الصوفية والأغذية الدسمة عندما خرجت من المسرح تذكرت أني قد نسيت تفاصيل أسئلة الفصول على المقعد الخالي حاولت العودة لاصطحاب التفاصيل لكني تذكّرت أن المسرحية لم يدخلها إلا الأغنياء!! لأن أسعار التذاكر كانت مرتفعة بالنسبة للفقراء الذين ناقشت المسرحية قضيتهم غيابياً.
- بعد يومين كنا نبحث عن سؤال في مسرحية دعينا إليها، هل كنا سنجد السؤال مشرقاً أمامنا كما حدث في المرة الأولى.
بدا الأمر واضحاً منذ اللحظة الأولى الحضور القليل هنا يوحي بعمل يشكو من مشاكل التواصل مع جمهوره، مرت أوقات كثيرة قبل أن نكتشف كيف كانت المسرحية منذ لحظة بدايتها تبدو في فصلها الأخير، الأحداث تسير بطيئة جداً قاتلة جداً، وجوه الجمهور القلقة تحيط بك، هذا ينظر لساعته، ذاك يتفقد أوراقاً في جيبه، الكل ينتظر النهاية أي نهاية تريدون، يثور السؤال يشعل المكان والمسرحية تسير نحو اللا ملامح، لقد توقف تدفق الأحداث منذ انتهت الحالة الرومانسية في العرض بالتحديد منذ قالت له: أنا أحبك عنها انتهى كل شيء أزعم أن ما حدث بعد هذا الجملة كان غير مترابط غير موح غير متكامل، نمو العمل أصيب بإعاقة ما، في اعتقادي أن الكاتب فقد قدرته على الكتابة عند تلك اللحظة، وأن المخرج فقد سيطرته على العرض عندما شعر بالانتشاء لذلك المشهد واعتمد عليه ليكون خاتمة عرضه ويدع ما بعد ذلك مجرد تشكيلات لا هوية لها نحن الآن في الفصل الأخير وفي الفصل الأخير تتجهز الأشياء للخروج، كل من حولي في انتظار ذلك بعد أن تشبعوا من الملل الذي حاصرهم فيه المؤلف والمخرج والممثلون لقد تذكرت الممثلين الذين تحولوا إلى قطع بلهاء دمى تتحرك دون روح قليل من الحضور كان لهم مع بداية العرض ثم تبخر مع استمرارية العرض هو كان مجرد خيط سراب بينما كانت هي مجرد ثمثال شمعي ظل الوقت يذوب بلا ملامح للعرض الميت قرب النهاية وفيما يشبه الأساطير يصحو النائم يصحو العرض ينشط يتدفق لكنه يتوقف فجأة بلا مبرر مات النائم مات العرض اشتعل المكان بالإضاءة نقف نصفق مجبرين أثناء خروجنا، اكتشفت في تلك اللحظة جمالية أن تصفق وأنت تسير نحو الخارج وكأن لاوقت لديك لتحية طاقم العرض، اكتشفت الأجمل أن المسرح هو فن السؤال، وفن البحث، عن العرض المسرحي، وفن تأويل العرض المسرحي، إنها حالة من التواصل والاتصال مع العرض المسرحي من الأمام من الخلف من الجوانب من المحيطات من التداخلات بالعرض مع العرض ضد العرض.