لا أحب اللف والدوران ولا أحب الكذب لا أخلف بوعدي وهذا ليس من باب المدح لشخصي ولكن هذه هي الصفات الطبيعية للإنسان الطبيعي (المتربي في بيت محترم).
وقد حدث في الفترة الأخيرة أن تعاملت مع أصناف عديدة من المثقفين وفي كل مره اكتشف أمور تصيبني بالذهول.
كنت وإلى وقت قريب اعتقد إن كل من يحمل شهادة دكتوراه هو (دكتور) بكل ما تحمل هذه الكلمة من قيمة علمية رفيعة المستوى وكل من يحمل صفة مثقف هو مثقف حقيقي وللأسف اكتشفت إن الكثير من المثقفين وحملة الشهادات العليا لا يساوون قيمة الحبر الذي يباع في الدكاكين الصغيرة.
ومن المواقف التي تعرضت لها مؤخراً أن اتصل بي دكتور سعودي وكاتب مشهور كنت احترم شهرته وشهادته العلمية وقد اجتهد للحصول على رقم هاتفي، استقبلته بكل احترام وتقدير ودون مقدمات فتح معي تحقيقاً وكان يبحث عن إجابات لمواضيع تعتبر شخصية وقد سايرته دون الدخول في تفاصيل وكانت مسايرتي له احتراما لوضعه العلمي كما ذكرت سابقا ولاسمه، وقبل انتهاء المكالمة طلبت منه وبأدب أن يحترم الحديث الخاص الذي دار بيننا وألا يتحدث به مع أحد.
وبعد شهر كنت في إحدى المكتبات الشهيرة في دبي والتي يعمل بها موظف عربي، طلبت منه نسخة من (فتنة) وعندما وصلت إلى الكاشير لدفع الحساب سألني هذا العربي ولم يكن يعرفني :
- أنت بتعرفي المؤلفة؟
- قلت له : نعم، لم تسال؟
- قال : أمها من قطر؟
- قلت له : لا من الإمارات
- قال : بيقولوا دي (كدابة) وبدأ بسرد الكلام الذي دار بيني وبين حضرة الدكتور مع بعض البهارات والإضافات طبعا لان الدكتور يعتقد بأنني كذبت عليه في بعض الحديث فنشر إشاعة مفادها أنني (كدابة).
وربما يتساءل البعض عن كيفية وصول كلام الدكتور الموجود في السعودية إلى البائع في دبي – ولو أن هذه التفاصيل غير مهمة – ولكن وحسب أقوال ذلك البائع إن رجلا سعوديا جاء ليحصل منه على نسخة من رواية فتنة وخصه بهذا الحديث الشيق وهذا يعني إن ذلك الرجل أما انه صديق الدكتور أو سمع الحكاية من صديق للدكتور أو أو أو .....الخ.
المهم هذا واحد من أشخاص كثر أصابوني بالدهشة والغثيان فأنا نشأت ومنذ صغري على احترام المتعلم واحترام المثقف والكاتب وكنت دائما انظر إليهم على أنهم (نبلاء) لا يكذبون ولا يتلونون وان لهم كرامة وعزة نفس لا يملكها غيرهم ولم أكن أتخيل ان بهم (وصوليون) لأن الوصولي من وجهة نظري - سابقا - لا يمكن أن يكون مثقفا أو قارئ كتب أو حامل شهادة عليا وصدقوني حاربت كثيرا في سبيل هذا التصور وحاربت كثيرا في سبيل التمسك به، كنت على يقين بأنني على حق وإنني الصح وان الآخرين على خطأ وعندما اقتربت من هذا الوسط الثقافي وتعاملت من بعض المثقفين فيه اكتشفت أنني عشت كذبة كبيرة وان الإنسان الناقص يبقى إنسانا ناقصا حتى وإن حمل شهادة عليا وإن قرأ ملايين الكتب، وأنا هنا لا أعمم فهناك من يعمل في هذا الوسط ومن يقرأ ومن يكتب ويملك أخلاقا نبيلة وقد كنت محظوظة بمعرفة بعض هؤلاء الشرفاء (القلة) الذين افخر بمعرفتهم ولكن الكفة الأخرى كانت هي الأثقل وهي الأعم وهي التي سببت لي هذه الصدمة وهذا الألم.
للأسف أقولها وأنا احترق ألما على عالمي الذي خلته جنة من جنات الدنيا.. هذا العالم الذي يحمل الكذابين والمنافقين والوصوليين و(النسونجيين) وهذه الكلمة وحدها كارثة.. كارثة على هذا الوسط الذي يفترض به أن يكون وسطا ثقافيا راقيا تبنى من خلاله الحضارات.
وكي لا أطيل عليكم وعلى طاري النسونجيين إليكم هذه القصة القصيرة لمثقف نسونجي تخطى الستين عاما، هذه القصة جرت معي عندما كنت اكتب في إيلاف: فقد تحدثت مع كاتب وصاحب مؤلفات لإجراء لقاء صحفي معه وقبل إجراء الحوار - الذي لم يتم - دار بيني وبينه حديث حول الكتابة والنجاح والفشل فقال لي حرفيا (أنا استطيع أن اجعل من الإنسانة العادية كاتبة كبيرة! فقلت له وأنا في دهشة مما اسمع: الكتابة موهبة لا تصنع ولا تمنح. فقال لي بكل ثقه: أنا جعلت من إنسانه عادية كاتبة كبيره وقد أصبحت الآن مشهورة لكنها تنكرت لي عندما اشتهرت. وعرفت من خلال حديثه انه كان يريد ثمنا لذلك التوجيه الذي يقول انه قدمه لتلك الكاتبة وطبعا عرض علي المساعدة (بشرط) أن يكون هناك ثمن لهذه المساعدة التي لم اطلبها منه أساسا ودون أن ادخل معه في تفاصيل وقبل أن انهي معه مكالمتي سألته: هل هناك مثقفات يتعاملن معه ويتقبلن هذا الأسلوب في التعامل؟
قال وبصوت عال جدا: (طبعا)!!
وأريد أن انوه فقط بأن هذا الرجل لم يكن يخجل من الإفصاح عن رغبته بل كان يتحدث بكل ثقة وكأن نساء العالم كلهن ساقطات!! والشيء المؤكد أن هذا المثقف ليس واحدا وهذا الحالة ليست واحدة والوسط الثقافي مليء بالحشرات الضارة المؤذية وعلى من يفكر الدخول فيه أن يتزود بمبيد حشري يستخدمه عند اللزوم، مع الاعتذار للمثقفين المحترمين.