يكاد يتفق الناس اليوم على نطقه مكسور التاء (مُسْتَهتِر) على أنه اسم فاعل من الفعل (استَهتَر) بفتح التاءين منه مبنيًّا للفاعل (للمعلوم)، وهم يقصدون به معنى الفعل (استهان)، فالمستهتر هو المستهين غير المبالي كما في قول الشاعر فؤاد بليبل:
وَلَقَد أَرادوا أَن تَكوني دُميَةً
يَلهو بِها كُلُّ اِمرِئٍ مُستَهتِرِ
واللفظ عند المحدثين يستعمل للذم فقط.
وأما القدماء فإنهم يستعملون الفعل مبنيًّا للمفعول (للمجهول): اُسْتُهتِر، بضم التاء الأولى وكسر الثانية، ومنه اسم المفعول (مُسْتَهتَر) بفتح التاءين. والمعنى عندهم مختلف اختلافًا كثيرًا عن المعنى عند المحدثين، فالمستهتَر عند القدماء هو المولع بالشيء المغرم به، وهو لا يستعمل للذم، بل للوصف بالتعلق ولزوم الأمر، وجاء في حديث عن أبي هريرة: (قال رسول الله?: سبق المفردون، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال المُسْتَهْتَرون في ذكر الله، يضع الذكر عنهم أثقالهم، فيأتون يوم القيامة خفافًا). وشرح اللفظ في (تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي): (المُسْتَهْتَرون في ذكر الله، بضم الميم وفتح التاءين، قال في النهاية يعني الذين أولعوا به، يقال هُتر فلان بكذا واستُهتِر فهو مُهتَر به ومُستهتَر، أي مولع به لا يتحدث بغيره ولا يفعل غيره انتهى. وقال المنذري: المستهتَرون بذكر الله هم المولعون به المداومون عليه لا يبالون ما قيل فيهم ولا ما فعل بهم).
كما يظهر من نص (الذخائر والبصائر لأبي حيان التوحيدي): (قيل لرجل مستهتَر بجمع المال: ما تصنع بهذا المال كله؟ قال: إنما أجمعه لروعة الزمان، وجفوة السلطان، وبخل الإخوان، ودفع الأحزان). وهو واضح من قول ابن الرومي:
وزعتَ بالجنةِ كلَّ مُغْرَمِ
مُسْتَهْتَرٍ بحُورها متيَّمِ
وقول الصنوبري:
لئن كنتَ بالصدِّ مُسْتَهْتَرًا
فإنيَ بالوصلِ مُسْتَهْتَر
والمعجمات العربية تثبته على أنه اسم مفعول، ولا تذكر اسم الفاعل ولا الفعل المبني للفاعل، جاء في الصحاح (وفلانٌ مُسْتَهْتَرٌ بالشراب، أي مولع به لا يبالي ما قيل فيه). وأما المعجمات الحديثة فمنها ما ذكر الفعل مبنيًّا للفاعل مثل معجم المُنْجِد، جاء فيه: ((استَهْتَر) فلان: اتبع هواه فلا يبالي بما يفعل، لم يعقل من الكبر) ولعله وهم في ذلك، وذكر أن (استَهتَر بالشيء: لم يبال به ولم يكترث له (عامية)). والفعل بالاستعمال القديم مأخوذ من (الهتر)، وهو ذهاب العقل من الكبَر، فأهتره أي أذهب عقله، واستهتَره أي بلغ الغاية في إذهاب عقله، ولما كان المولع بالشيء كالذي أُذهب عقله قيل عنه مستهتَر، أي ذاهب عقله لا يسأل عما يقال عنه وهو من المجاز. وأما الاستعمال الحديث فهو ضد القديم معنًى ومبنًى كما تبين سابقًا.
****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«7987» ثم أرسلها إلى الكود 82244