تدلف القاصة نوال تركي الجبر إلى القارئ بلا مقدمات أو إهداءات رغبة منها في تواصل قرائي مباشر، ففي مجموعتها القصصية الجديدة (عذراء نورانية) رحلة إنسانية في عذابات ومنغصات وأوهام كثيرة؛ فالقصة الأولى (أمشاط الضوء) رسالة مباغتة عن حجم ولع القاصة نوال في اقتفاء حساسية الخطاب القصصي المتوامض؛ حيث ينبئ الحدث عن شعور قوي بأن الراوي للقصة معني بتقديم رؤية مكتملة المعالم بأقصر سبل السرد، لنراها وقد دونت ومن خلال الفتاة العروس معاناتها مع أول ليلة حينما حملها فارس أحلامها إلى رحلة العودة إلى المنابت الأولى طالباً الإلماح إلى إمكانية استرقاق المرأة ورسم فاصلة دخول جديدة لها في حياة الرجل: (أريدك لأمي).
قصة (حلم العابرين) جاءت مسترسلة في هموم المرأة (العروس)، حيث ضجت القصة بصور إنسانية معيرة عن قضية الاغتصاب التي تواجه بعض الفتيات، فكانت المعالجة رغم دراميتها تحمل حلاً واقعياً من شيخ مسن عرف تفاصيل ألم الفتاة وأراد لها بموقف نادر أن يجسد مهابة الرجل النبيل إلا أن الأمر الذي سردته القاصة قد لا يحدث إلا نادراً إنما هو حل مناسب قطعت فيه القاصة جهداً كبيراً في ترتيب تفاصيل أحداثه حتى خرج إلى القارئ بشكل مناسب رغم اقتضابه.
تلي القصة المرأة (العروس) قصة أخرى أشد أنثوية حيث تشرع القاصة نوال الجبر في رسم خارطة مجموعتها (عذراء نورانية) على نحو أنثوي مكثف يكرّس مفهوم الـ(هي) في العمل السردي، فلا شيء غير خطابها في قصة (اهتمامات امرأة أوروبية) حينما تجد الفتاة أن الحيوان ممثلاً بالقطة قد تطغى محبته على حيوان آخر، فالقطة الرمز لمبدأ الصديق هو ما كرّس مفهوم الوئام الصادق مع الحيوان الذي قد يكون أكثر قرباً لنا من البشر وهذا ما ذهبت إليه القاص نوال في قصتها.
أنوثة المجموعة تكرسها قصة (بلقيس الحزن) حينما تسجل لنا القاصة ومن خلال سرد تفاصيل حكاية الفتاة الجامعية.. تلك التي تبحث لها عن خلاص سريع من منغصاتها، وآلامها الكثيرة، لتتوالى في ثنايا القصة هموم المرأة التي تكرسه نوال في سيرة فتاة تبحث عن ذاتها.
(ناريز) تعود من جديد في قصة (بين ذراعي) بعد أن أهدت سارة قطة في قصة سابقة (اهتمامات امرأة أوروبية) فها هي ناريز رمز للمرأة التي تبحث عن ألق علاقة جميلة تغسل سنين العمر المعذبة.. فتعرض القاصة جملة من التخيلات المعبرة عن (خالد) الشرقي، وعن هموم فنان عربي فقد أجمل ما يمكن مع ذراعه الأيمن، وكيف تداعت قضية الحرب والسلم في عوالم لوحة مثيرة للجدل.
القاصة نوال الجبر تعنى في التفاصيل الدقيقة لحياة ليست راكدة أو مكررة إنما عوالم متماوجة لامرأة غير مستقرة في مكان، أو مستكينة في بؤرة مهملة؛ فالمرأة في قصص المجموعة (عذراء نوارنية) تجسيد لحكاية المرأة التي تحب الحياة، فمن أجل أن تعيش يومها، وتفاصيل زمنها يلزمها عدد لا بأس به من النزوات، والمحاولات والتجارب فكيف لا تكون امرأة مشرقة في قصصها ما لم تتجرد من خطابات وجدانية مستكينة.
قصص نوال نشأت في واقع تجربة حية وثرية فلم يكن للعاطفة أي أثر، ولم يكن للخاطرة أي وجود مما جعل القصص ناضجة، بل تضج بحياة غالباً ما تكون القصة السعودية بحاجة لها.
لغة المجموعة مميزة، وفيها خطابات إنسانية معبرة على نحو ما ورد في قصة (عذراء نورانية) حيث جسّدت القاصة الأبعاد المؤثرة في حياتها (الوطن الدهشة، الحزن) في عمق ذلك التوتر الذي يدور على مائدة يعمرها الرجل لكنه لا يأتي بجديد يبدد هواجس الأنثى القلقة، فالقصة التي حملت اسم المجموعة رحيق مركز لما آلت إليه فعاليات السرد في المجموعة حيث ساقت القاصة عصارة شهدها السردي فكرة المرأة الحالمة في زمن يكشّر عن أنياب واقعيته.
مجموعة نوال تركي الجبر مزيج بين (أمل ويأس) أمل بغدٍ أفضل يحقق للأحلام بعض ما تصبو إليه أي امرأة أو رجل، فيما يأتي اليأس على هيئة رسالة عابرة تسكن أعطاف الحياة الغضة لامرأة تبحث عن الحياة.. فالقصص في مجملها شهادات مؤثرة في الوجدان، فلا يجد القارئ فيها أي حل ممكن لمنغصات كثيرة إنما هي رسائل جريئة لم تبت في عداد الخبيئات والمسكوت عنه.. فليت القاصة نوال الجبر قدمت هذه الاضمامة السردية على هيئة رواية لأنها تمتلك مقومات السرد المفتوح على مفاتن مدهشة في خطاب الأنثى، ولأن لدى (نوال) حساً مميزاً في الإدلاء بشهادتها على عصر يريد أن يجعل منها صورة للعروس التي يقودها زوجها في أول ليلة في الزفاف إلى كهوف الماضي (هذه أمي) كما في القصة الأولى (أمشاط الضوء).
المجموعة مميزة في حضورها الإبداعي، ولغتها السردية متوائمة، وخالية من الحشو، أو البوح الأنثوي الفضفاض. بل هي رسائل غاية فليس الانتقاء لتقديم رؤية أنثوية مميزة برعت نوال الجبر في تسجيلها في هذه القصص.
****
إيماءات:
- عذراء نورانية (قصص)
- نوال تركي الجبر
- دار المفردات - الرياض - 1429هـ
- تقع المجموعة في نحو (120 صفحة) من القطع المتوسط.