رؤية الإصدار الإبداعي بين تحقيق الجودة والانتشار«2-3» محمد الدبيسي
|
وفي ظل انعدام وعي وتواضع إدراك مسئولية العمل الثقافي وتنظيم إجراءاته، والإحساس بعظم المسئولية تجاهه من قبل القائمين على الأندية الأدبية.. باعتباره قضية وموقفاً والتزاماً.. لا يمكننا هنا اصطناع دور (المنصف).. في النظر إلى نوعية تلك الإصدارات الإبداعية.. والاعتداد بالمميز منها على فرض وجوده.. ولا سيما وسلطة المديح وترفه.. والتعلق بعناوين الإشادة الإعلامية تروق للكثيرين من مسئولي الأندية.. وتنمي فيهم ثقافة الرضا بالمنجز، والوداعة والاستكانة إلى ما يعدونه إنجازاً ورصيداً يحسب لهم في ناتج التقارير السنوية التي يوافون بها مرجعيتهم الإدارية الرسمية كل عام! وهو ما يعني ذوبان المضمون وضآلة قيمته وعدم اعتبار مدى جودته إزاء العناية بالنسبة العددية والمسألة الإدارية في أفقها الضيق على مساحة النشاط الثقافي كمسئولية اعتبارية رئيسة للأندية كمؤسسات ثقافية؛ لينسحب هذا الضلال الثقافي على المبدعين وإصداراتهم، والتي يمنحها فعل الإصدار.. القيمة في نظرهم.. بوصفه اعترافاً بالقيمة بحكم التقاليد الثقافية والاجتماعية السائدة.. لتفض بنا هذه السعة الفوضوية في قبول الإنتاج المتواضع أو الرديء.. إلى لون قاتم للخطوط البيانية لمعدلات الإصدارات الإبداعية...؛
وبذلك كان للأندية دور فاعل في تعميم الرداءة، وفتح المجال واسعاً لأشباه المبدعين، والمعوزين فنياً وعديمي الموهبة، في فوضى غمار الإصدارات الإبداعية.. بمؤلفات لا ترقى إلى المستوى المرضي عنه.. فاستسهل لفيف من المبتدئين أو المتحمسين حماسة لا تسندها موهبة حقيقية، أو رؤية إبداعية خلاّقة.. في طباعة إنتاجهم؛ فللبعض منهم مجموعة أو أكثر في الشعر والقصة والرواية والدراسات، والتي كانت مثالاً ناصعاً للإنتاج الرديء ، وانعدام معايير إبداعية وموضوعية بإمكانها فرز هذه الإصدارات وتقييمها، وفتح المجال واسعاً لهذا النوع من الإصدارات،وهو الأكثر والأعم.. تحت دعوى تشجيع المبدعين وطباعة إنتاجهم وتفعيل دور الأندية الثقافي..!
هذه (التعميمات والعناوين).. تشتمل ضمناً ما يمكننا تصوره من إصدارات، من المخجل أن يُنظر إليها.. على أنها الواقع الحقيقي لمشهدنا الثقافي. وفي ظل عدم متابعة دقيقة من المشتغلين في الحقل الثقافي.. على كشف هذه النوعية من الإصدارات، وانعدام خطوط التماس أو التلاقي بين المثقفين الأصلاء وهذه المؤسسات في محورية الهمّ الثقافي ونظامه القيمي والوجودي، والحرص النزق من المؤلفين أو الحالمين بمطالعة أسمائهم منقوشة على (الملازم المطبوعة).. والمتعجلين لنجومية الكتابة أياً كان نوعها ومستواها.. وانعدام الحوار النقدي والثقافي في آلية البرامج الثقافية للمؤسسات الأدبية كحراك تفاعلي،يلي مرحلة الإصدار، ظفرنا - بحمد الله - بما يقارب (ثلاثمائة إصدار).. كحصيلة للأندية مجتمعة من الإصدارات التي يشتملها مصطلح (إبداع).. في الحدود الدنيا من المعنى الحقيقي لهذا المصطلح... وهو ما يعود بنا مرة أخرى.. إلى ما أسلفناه من أهمية اعتبار المفاهيم والرؤى الثقافية ومواقف المسئولية الثقافية والأخلاقية الذاتية والموضوعية.. التي تحكم (المستسهلين) لمسألة الإصدار الإبداعي و(المُسهلين) لهم هذا الطريق.. الذي يفرشونه إما برضا ومباركة مشجعة.. وإما برفض حدي حتى للمميز والأصيل.. وهو وإن كان يعكس نوعية المواقف والأفكار والقناعات لكلا (الفريقين)، فهو كذلك يصلنا بالمسار الآخر... وهو الاجتهادات (الفردية) من قبل بعض المبدعين ولا سيما في مرحلة (التسعينيات) وما بعدها.. للقيام بإصدار إنتاجهم على حسابهم الخاص.. كإشارة إلى غياب الحراك الثقافي المحلي المسئول الذي يغذي تجربة المبدع ويمنحها الفاعلية ويقيم مستواها الفني، أو هروباً من سلطة (المؤسسات)... وهي هنا الأندية الأدبية، أو الرقابة الإعلامية.. التي أدت دورها بكل (أمانة)..! وفقاً لنمطية إدارية تحاسب المضامين الإبداعية وفقاً للرؤية الأيديولوجية السائدة، أو الخطاب الشعاري المتسلط،المنقوع باعتبارات (شكلانية) مظهرية.. تتجلى بريبة وتوجس من ألفاظ بعينها وأسماء بذاتها.. وأحكام مطلقة وشمولية.. يتفانى الرقيب الإعلامي في تنفيذها.. بممارسة سلطة يتيحها له هذا (الكادر الإداري)، الذي يصدم المبدع، ويتدنى عن بلوغ حساسيته أو الوعي بها - أو التقدير القيمي للعمل الإبداعي، والثقافي بعامة.. وهو ما يروق للتيارات الاجتماعية المحافظة السائدة، التي ترى في المتغير الثقافي والجديد الإبداعي،خرقاً لتكتلها ومحافظتها وآدابها المترسخة في الوجدان الشعبي العام،وتهديداً لسلطانها الضمني والقار في صلب بنيتها القائمة.. وهو ما يفسر اختيار المبدعين في فترة (التسعينيات وما بعدها).. وهي المرحلة التي شهدت تحولاً نوعيًا في سيرورة الواقع الاجتماعي وحركة تفاعله وتناميه.. ووعياً ثقافياً في التعامل مع الإبداع والتعبير عن التجربة.. وقناعة ذاتية في فشل (المؤسسة الثقافية) في استيعاب ذلك التحول أو فهمه.. فضلاً عن الحوار معه.. أو الارتقاء بمستوى الوعي الثقافي وترجمته، وسلطان النمطية الاجتماعية وثوابتها المطلقة،وحساسيتها إزاء (الجديد الإبداعي)،الذي اتجه في نموذجه السردي إلى كشف المسكوت عنه والمستتر الاجتماعي، بما يعني فضح الممارسة الاجتماعية في مثالاتها الإنسانية (البشرية) وحرق قشرتها (الطهرانية) المتوارثة، كاشتغال على معطيات المادة السردية من معطنها الأول والواقعي، ومعالجتها بأسلوب فني.. وفي مثالاته الشعرية الحداثية الجديدة التي لا ترقى إليها - ربما - ذائقة استمرأت الشكل التقليدي للقصيدة العربية وتكرارية نمطها التعبيري، إضافةً إلى الدراسات النقدية الجادة، التي ربما يكون في إصدارها محلياً - على فرض تجاوزها عقلية الرقيب - تضييقاً لدائرة انتشارها وتأثيرها، وإشارتها إلى وعي نقادنا بالنظريات النقدية واستيعابهم مدارسها واتجاهاتها ومعالجاتهم التطبيقية المحققة لهذا الوعي؛ مما حدا - بنظري - بمبدعي ونقاد تلك الفترة إلى طباعة أعمالهم خارج المملكة.. تجاوزاً لتلك الرقابات والتسلطات.. التي تُصنف وتُلغي.. وتُبقي وتذر.. بكل ما يمكن أن نتصوره من محدودية وعي بالواقع الثقافي الجديد وضيق فضاء التفكير لدى مسئولي الأندية الأدبية.. و(بيروقراطية) الموظفين الصغار من حاملي رتبة رقيب مطبوعات أو مصنفات.
* من ملخصالورقة المقدمة إلى منتدى عكاظ الثقافي في جمعية الثقافة والفنون في الطائف ضمن ندوة عقدت تحت نفس العنوان بتاريخ 17-7-1426 هـ
Md1413@hotmail.com
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|