إصدارات لون اللعنة
|
تأليف: إبراهيم الكوني
بيروت: المؤسسة العربية للدراسات 2005
***
في هذا الكتاب يأخذنا الكاتب والروائي الليبي إبراهيم الكوني عبر ذاكرة مشحونة بتراث صحراوي موغل في القدم، إلى عالم حافل بالسحر والأساطير مع شخصيته المحورية (شلم) أو (شالوم) والذي يعود بنسبه ربما إلى بطن من بطون قبيلة مجهولة اسمها (حاطوم) التي اقتحمت الصحراء في حملة غزو واحترفت تجارة القوافل المزدهرة في صحراء تلك الأعوام سار (شلم) في ركابها إلى أعماق القارة حتى بلغ تخوم الأدغال حيث تستوطن القبائل التي تقايض حفنة التبر بحفنة الملح.
وتروي الأجيال أساطيراً تقول إن هذا الداهية هو أول من اكتشف سر هذه القبائل الخفية في أول رحلة له إلى تلك الأعماق بعد أن رأى في المنام رؤيا قرأ فيها نداء.
وهناك أمر لم يختلف فيه الناس، في تلك السيرة، بل إنهم أجمعوا أن الداهية ذهب في تلك الرحلة الليلية إنساناً وعاد منها شيطاناً.
بلى، فقد أجمع الخلق أن اللقيط المدعو (شلم) عاد من ظلمات تلك الليلة مخلوقاً آخر بعد أن باع في الصفقة روحه لملك الظلمات.
أخفت حبة الليل في تغيير بصمة القدر فضرب الشقي رأسه بجدران أعمدة خرائب يوليوس قيصر حتى صنع الدم على وجهه سيماء أشبه برموز السحرة، وسمعه الخلق وهو يخرق سكون الليل بالعواء الذي اعتاد أن يطلقه كلما أحاقت به بلية، ولم يدر بخلد أحد أن بلاد تلك الليلة يمكن أن يدفع سليل الظلمات إلى استعمال ذلك الترياق الذي اعتاد أهل اليأس أن يحتكموا إليه لمداواة أي داء! تسلل، متلبساً جنح الظلام، وغاب في أزقة المدينة القديمة.
ولم يلبث أن عاد من رحلته ملفوفاً بحبل فظيع مفتول من ألياف الحسد، توقف فوق القنطرة.
انحنى نحو الأسفل فبدا واضحاً أنه يتأمل انسياب الماء في مجرى النهر، تأمل النهر طويلاً، ثم شيع بصره إلى أعلى فلمعت في عينيه عناقيد النجوم.
رأى في وميضها ما لم يره من قبل، كما رأى منذ قليل ما لم يره في الماء من قبل، أدرك أن الحياة هي ذلك اللغز الذي لا تتكشف لنا حقيقته إلا في اللحظة التي نقرر فيها أن نتخلى عنها إلى الأبد.
رأى الشعر مجسداً في تدافع المياه، في مرونة المياه، في تسامح المياه، في دهاء المياه، في نتواءات المياه وهي تتجنب الصخور، في غناء المياه وهي تتلاطم أو تتخاصم أو تتلاءم، في سلطان المياه، وفي هشاشة المياه أيضاً.
رأى الشعر في مسلك المياه فأيقن بحكمة المياه، بل بربوبية المياه، والآن ها هو يرنو إلى ملكوت السماوات فتهب لملاقاته قوافل الأنجم لتكلمه بأشعار من ضرب آخر.
تكلمه بلسان آخر، في إيماء آخر، فاستشعر وجداً نافعاً لم يدر أين أو متى ذاق لمثيله طعماً.
استولى الوجد فارتجّ وترنح وشهق كمن ينازع لالتقاط أنفاس النزع الأخير.
شهق فلفظ شعراً.
قال الشعر في بيتين اثنين كما اعتاد أن يفعل في الماضي عندما تستولي عليه حمّى الحنين، فأثارت أبياته فضول الأهالي حتى أنها نالت استحسان البعض، في حين أيقظت في نفوس ذوي الحسد صنوف الحقد (كما يحدث عادة كلما هلّت على الدنيا شموس نبوغ جديد) فانبرى هؤلاء يشتمونها ويتبارون في السخرية منها إلى حد جعل أحدهم يعقد مقارنة بين أشعاره تلك وبين الأشعار التي نظمها الطاغية نيرون في يوم الحريق الذي التهم روما فاعتلى الرابية المشرفة على المدينة ليغني أبياتاً جاءت بها قريحته المريضة احتفاءً بزوال أم الدنيا.
العبارة المجهولة، وتلألأت في مقلتيه الدموع وهو يتطلع تارة إلى النجوم في الأعالي، وتارة إلى لسان الماء المهاجر في ديار الأسافل، وراء التلال الشرقية انبثق قبس قمر شاحب مغلول بالمحاق.
يقع الكتاب في (247) صفحة من القطع المتوسط.
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|