من الحقيبة التشكيلية
ولد وفي يده فرشاة رسم
الحجيلان جعل من اللون أنغاماً رقص لها الوجدان
|
إعداد: محمد المنيف
ما زلنا نحاول تسليط الضوء على أسماء تشكيلية أعطت وتعطي وتمارس إبداعها لتحقيق الهدف الأهم والأسمى، هدف رفعة الفن التشكيلي السعودي والأخذ به نحو المنافسة والتواجد العالمي إضافة إلى تأكيده محلياً والارتقاء بذائقته وتقريب مفاهيمه وأبعاده لمن يستحق أن يشاهده ويتفاعل معه، قدمنا في الأعداد السابقة إضاءة على الفنان مهدي الجريبي كأحد الشباب المؤثرين في الساحة والمجتهدين للوصول بهذا الفن في مرحلة قادمة مع زملائه من المبدعين الشباب إلى أعين الأجيال الجديدة بمستوى متألق ومعاصر، بعدها استعرضنا بإيجاز بعضاً مما نعرفه ونتابعه عن الفنان فيصل السمرة وهو أحد الرموز التشكيلية المعاصرة وأحد رواد التشكيل لمحلي مع ما يمتلكه من حضور عربي وعالمي، كما مررنا على الفنان سمير الدهام اسم ساهم ويساهم في هذا المجال منذ ما يزيد على الثلاثين عاماً بكل طاقاته إعلام وإبداع عبر اللوحة وإدارة للفن التشكيلي كما وقفنا إعجاباً وتقديراً لإبداعات الفنان عبد الله الشيخ نتواصل اليوم لنقدم الفنان فهد الحجيلان باعتباره اسماً مؤثراً في مسيرة التشكيل السعودي والخليجي بما يتمتع به من تواجد إبداعي حقق له موقعه المتميز، مع ما نعدكم به من استمرارية هذا الطرح لنستعرض أسماء أخرى لها علينا الحق في أن نتذكرها ونذكر بها الآخرين في هذه المرحلة الجديدة.
علاقة بين المكان والزمان
الفنان فهد الحجيلان من الجيل الأقرب للجيل الثاني جيل التأسيس وجيل التواجد فنان استطاع أن يحمل إبداعاً سبق زمنه ومع ذلك تمكن من التواصل والتواجد بشجاعة في وقت لم يكن هناك من يعي أبعاد هذا التوجه أو يعي ذكاء الفنان، فنان يمتلك ذاكرة تستوعب الجمال في كل ما يراه ببصيرة نافذة إلى أعماق التفاصيل في زوايا الحياة المحيطة به وبغيره إلا أنه يرى ما لا يراه الآخرون نتيجة الانتماء الحقيقي الخاص لتلك الفضاءات والأمكنة، تحقق للفنان الحجيلان امتلاك الحميمية الأولى والوعي المبكر مؤسساً بها علاقات لا يمكن عزلها عن سياق المكان والزمان. علاقات ذات مرجعية بصرية عميقة الارتباط بجمال عناصر الواقع سعى إلى اختزالها بإحساس منفرد يجمع فيها اللحظة بحنينه إلى ذلك البعيد في وجدان شفاف مرهف وعاشق لبقايا ومضات تعود إليه بوهج أكبر كلما أراد إيجازها في لوحة، مستلهماً من مختزل لا ينضب مزج بموروث وقيم وعلاقات كثفت ديمومة العمل لديه.
بدايات ناصعة البياض
عرفت الفنان فهد الحجيلان منذ أن وضع أولى خطواته في الساحة وتعرفت عليه عن قرب فشعرت وقتها أن هناك ما يميزه عن الكثير من جيله خصوصاً في معاناته مع يمتلكه من زخم كبير في الإبداع والابتكار، فنان لم يستوعبه ذلك الزمن ليواجه به تحدٍ صارخ بين قدراته وبين المتلقي الفاقد للوعي الإبداعي والجاهل في ثقافة اللوحة والفن التشكيلي إضافة إلى تجاهل بعض المعنيين بالمعارض بما يحمله هذا الفنان من نقلة نوعية في فكرة اللوحة وتقنياتها، حيث كانت تلك الفترة قد أبتليت بمن كان همهم تنظيم المعرض دون الأخذ في الاعتبار أهمية الجديد فيه أو كيفية الارتقاء بذائقة المتلقي فافقدوه حقه من حصد الجوائز وتجييرها لمن لا يستحقها، وقت كان الفن التشكيلي يعيش مرحلة التشجيع فقط للهواة وأشباههم لإثبات نشاط عابر، بدأ الفنان الحجيلان بأعمال تحمل الجرأة في الأداء والقوة في تقنية الصورة والتلوين لديه قدرة فائقة في التعامل مع الرمز والإشارة في وقت لا زال فيه الكثير مكبلين بالتقليدية والنسخ الساذج للواقع وللعناصر، فنان يعزف باللون، ويستنطق شاعريته بلغة لونية تتألق جمالاً كلما استطعنا قراءتها وفهم معانيها، تجاوز بها حدود الهامش البصري لتصبح إيحاءً ودلالة رمزية أنجز بها أنموذجه المتخيل بتقنية لونية ووعي تقني موظفاً عناصره الجمالية لتحريض وجدان المتلقي وحواسه، دفع به نحو قراءة متأنية لمفرداته التي شكلها بمعايير وقيم تشكيلية حقيقية دون ارتجال، محققاً بذلك إثبات مدلولاتها أداء وفكر.
مراحل وتجارب الحجيلان
مر الفنان الحجيلان بمراحل كثيرة في مجال إبداعه وتعامل مع مختلف الخامات والأدوات خدمة للفكرة والموضوع عرف عنه عدم توقفه عند مضمون أو تقنية بعينها بقدر ما يتوقع منه المشاهد أو المتابع نمطاً وأسلوباً جديداً في أعماله الجديدة مع تمسكه بروحه الإبداعية وسماته التي لا يمكن أن تخطئها العين، فمهما تنوعت الأشكال وتعددت الوسائط يبقى الحجيلان متواجداً وبشكل قوي، قدم الواقع (البيئة) بكل عناصرها وسماتها وملامحها من مختلف أنحاء الوطن، ولكن بما يراه معبراً وممثلاً لرؤيته، فقدمها رموزاً وأشارات لا يجيد لعبتها إلا هو، لامس المشاعر والعاطفة فرسم المرأة بأشكال متعددة مركزاً على الوجه وتعبيراته، فأكد قدرته على الغوص في أعماق النفس واستنباط مشاعرها، مازج بين كثير من العناصر ذات العلاقة الإنسانية والدالة على فكرة تحمل أبعاد فلسفية قوامها الروح فجمع بين المرأة والحصان، وبين المرأة والطير بكل أشكاله المسالم منها أو الجارح كل ذلك برمزية شفافة ذكية أعياً في فهمها الجاهل بالفن وأمتع المثقف الواعي والمتلقي الحذق، توالت تجارب الفنان الحجيلان وانتقاله من تجربة إلى أخرى، تمنى المتابعون والنقاد من الفنان الحجيلان أن يعطي فرصة لكل من تلك التجارب فترة زمنية من التواجد دون عجلة نحو الجديد إذ كان في تلك التجارب في حال تكثيفها وتقديم معارض متعددة بها ما يجعل منها مدرسة إبداعية سيصبح لها تلامذة، إلا أن إقلال الفنان الحجيلان في إقامة المعارض الشخصية ما أفقد تلك التجارب حق التوثيق الجماهيري.
استمر الفنان الحجيلان في هذه المسيرة والتجارب الغنية بالممارسات الناجحة في دراسة اللون وتوظيفه ومستوى الرمز وإمكانية التعبير به عن الفكرة إضافة إلى تميزه في انتقاء تلك الرموز واختزالها وتقديمها في العمل نتج عنها كم كبير من الأعمال منها ما عرض في معارض مشتركة ومنها ما بقي في مرسمه نتيجة قناعته وقناعتنا بأن الساحة في تلك الفترة لم تكن مستوعبة مثل هذا الإبداع، إلى أن وجد الفنان الحجيلان وقت مناسباً فأقام أول معارضه في الرياض، مشتملاً على إحدى التجارب أو المراحل التي أطلق عليها عنواناً(..).
اشتمل المعرض على مجموعة من الأعمال برز فيها اللون بإيقاع منفرد بإيحاء رومانسي أزاح فيها عن العناصر وحشة المكان بأن أدرجها برهافة وشاعرية في فضاء غير مطلق موجداً إحساساً خيالياً يجمع العناصر مهما تباعدت فأصبحت تلك اللوحات وحدة واحدة قوامها اللون والكتلة. في بعضها بقايا من ملامح أعمال سابقة والبعض أكثر حداثة إذ نجد الفنان الحجيلان ابتعد كثيراً عن الرمز المباشر (الطائر والحصان والمرأة) واعتمد على اللون فقط كرمز ودلالة عوداً لانغماسه الشديد في هذا العنصر لمعرفته أن اللون له تأثير ساحر وجذاب في اللوحة ولكن الأهم من ذلك كيفية توظيفه للفكرة وهذا ما حققه الحجيلان في غالبية أعماله وهو توجه ناجح ومعبر وصعب التعامل أيضاً.. خصوصاً تقديمه لمجموعة من الأعمال باللون الأبيض فقط كفضاء مفتوح دون أي عناصر ما عدا التأثيرات الناتجة عن الفرشاة وبروز إيحاء غير مؤثر ككتلة مع حضور للون الرمادي بصرياً، أطلق على تلك المجموع عنوان (رسائل) وشارك بها في أحد المعارض الجماعية.
monif@hotmail.com
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
| 
