قصة قصيرة موقف نادر..! عاشق الهذال *
|
أرسل - كايد الشوحط - نظراته الكابية.. عبر الممر الطويل الذي لا يخلو من الغادين والرائحين إلا قرب الظهر.. وها هو الظهر لم يبق عليه إلا القليل.. لكن نظراته ارتدت بانقباض محبط نكأ جروحه كلها في ثوان.. حاول أن يتحاشى.. أن يفر.. نظر لقدميه عله يجد مكانا يختبئ فيه حتى لا يراه.. وجد نفسه يقف متحاملا وأخيرا يرتمي على الصديق.. الذي كان يوما مرشدا ومساعدا وناصحا.. انفلت من كايد الكلمات مع القبلات.. مرحبا بصديق تلك الأيام.. التي لم تثبت.. أو على الأصح هو لم يثبت.. كانا يسابقان الزمن والآخرين في المجازفة والارتماء.. في بحر المناقصات.. وبورصة الأراضي.. ولمؤسسة - كل منهما - جيشا - من صنوف العمال من مبلطين وكهربائيين وسباكين ومليسين.. إلخ.
كل واحد يكسب من الآخر عدة ألفاظ للتفاهم من تلك الرطانات.. كايد يحاول أن يحصل على أكبر قدر من المال.. يأخذ أكثر من طاقته.. دخل في خصومات كثيرة.. في عدم الإنجاز.. لكنه يخرج سليما معافى.. فالصدق قلما يتوفر في المقاولات والعبرة بالكم الذي يأتي بالرزم.. والتهديد والوعيد والهروب من وجه صاحب المبنى يعمل عمله.. والطرق كثيرة للأخذ بالخاطر.. فالزيارة في المساء للزبون مفيدة.. فالناس طيبون.. والغافل له الله كما يقال.
وتجمع لكايد المال.. وحصل على معلومات كثيرة.. دعمتها الصور.. وها هو يدخل العقد الخامس.. لماذا لا يسافر..؟ الخارج يفتح الباب على مصراعيه يقدم ما يحتاجه البطن والسكن النظيف.. وسافر مرة وأتبعها بأخرى.. وتعمر الذكريات كيانه.. وأخيرا يعمل توكيلا عاما ليعربي مفتول الساعدين.. حجري العواطف.. وبعدها يسافر كايد الشوحط لتلك الأصقاع.. بعد أن اشترى ما خف حمله وغلا ثمنه.. هدايا..
وعاد كايد ليجد اليعربي قد لعب لعبته وولى هاربا.
ترك المؤسسة لمن يديرها برعونة وغباء.. وهي خاوية الوفاض.. كارثة ما بعدها.. ويتطاير العمال لبلاد الأفيال.. وواق الواق.. وبلاد الأشقاء.. وتخلف الهزيمة وراءها ديونا بثلاثمائة ألف ريال.. وبقايا أعمال لم تنجز.. تنازل أصحابها بطيبة خاطر.. تقابل الصديقان.. يتفرس كل واحد منهما الآخر ويتكلم نادر؟
- كيف أنت وعملك الجديد بالسوق.. تأوه كايد:
- سوق الخضار.. ولم يعقب.. انطلق يحدث نفسه:
- سوق الهم والهزيمة.. تذكر هذا الصباح خصومة زوجته المفزعة.. بكل عنف. وأخيرا مطالب المنزل.. سبعة أفواه كالبواليع وهو وهي.. وجيوش الشامتين في بيوتهم من الأقارب والأصدقاء ابتعدوا عنا.. الناس ذر.. يبحث عن الدسم.. عالم! وهذا لم يأت متشفيا وشامتا؟ لقد نصحني مرارا قبل السفر.. ربما أتى ليرثي لحالي. وتكومت عقدة بداخله بدأت ترتفع. سأرد عليه بعنف لو تكلم. لا.. لأصبر فالصبر أجمل. وعاد لنفسه ليرى الصديق يتأمله بهدوء. وأخيرا قال:
- قلت سوق الخضار وكفى.. أين ذهب بك الخيال.. بماذا تفكر.. اعتدل كايد ثم قال:
- ماذا أقول.. أأقول أنني نكبت. ولم يمد لي أحد يد المساعدة.. أم أقول إنني الآن فقير.. أجاهد في سبيل لقمة عيش الثمانية.. البنات والأولاد.. مطالب صعبة.. وزوجة تدللت وتنعمت وانقطع كل شيء فجأة.. دين. لا أعرف كيف أدفعه. حتى هذا الدكان تقبلته بالدين.. المهم كيف أنت.. ومؤسستك؟
- بخير.. والمؤسسة تساير الزمن المهم ألا تقف..
- صمودك هو السبب..
- الحمد لله.. وأنت أيضا ستصمد. وستوفق.. وللحياة دورس قد تقسو.. ثم تلين على من يعتبر.
تلوى كايد (جوانيا) ثم قال:
- تلقيت درسا قاسيا بجدارة.. اللعب يلعب بأهله كما يقولون!
- يا أخي لكل جواد كبوة.. زمجر كايد بألم حارق:
- بل قل لكل حمار كبوة.
- المهم ألا تحمل هما..
- كيف..؟ .. وأخرج نادر من جيبه وهو يقول:
- دينك سددته وهذه الإيصالات..
وقف كايد وقد تناثرت الدموع وسالت على وجنتيه الكابيتين داخل وجهه المستطيل الأخضر المتخشب.. مد يديه لرقبة صديقه ليقبله.. لكن نادرا أجلسه وهو يقول:
- نحن أخوة.. حاول كايد أن يتكلم لكنه ابتسم له قائلا:
- دعني أكمل.. الليلة ستأتي إلي لتتسلم عملك الجديد الذي أمنته لك ونحن فيه شركاء ولك مرتب مقابل الإدارة
- يا أخي.. يا أخي أنت.. أنت.. وتقطعت الكلمات..
- أنا أخوك.. ولم تسألني يا عزيزي ما هو العمل الجديد..
- ما هو.. ما هو..
- سوبر ماركت.. سوق مصغر..
*حائل
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|