قصة قصيرة شروخ في وجه الزمن نورة عبد العزيز العقيل
|
تمخضت العين دمعة.. نزلت.. فحفرت خندقاً لها.. توالت الدمعات مهرولة تتلألأ كصفحة ماء تعكس الأضواء عليها وبيديها تحمل طفلها النائم.. أو شبه نائم بإغماء شديد.. ساءت حالته واختفى لونه.. وغارت عيناه والآن يغطس في إغمائه تحمله تهتز يداها.. ونظرات الأسى تمرق هنا وهناك.. تبحث في انتظار قاتل وهي تقبع فوق مقعد تصطف بجانبه مجموعة من المقاعد الممتدة على طول البهو المعد لاستقبال المرضى تأتي امرأة أخرى.. تنثني وتتهيأ للجلوس على المقعد الآخر وهي تئن.. ثم أخرى.. تجر ساقيها.. إحداها تأبى المضي معها مواكبة مشيتها.. بل تتأخر عن الأخرى والتعب يعصرها وما إن وصلت أخذت مكانها هي الأخرى في المقعد الثالث.. وهكذا توالت الأقدام تتراكض.. على تلك المقاعد المعدة خصيصاً لاستقبالهم..
فجلس الجميع في توجس وانتظار.. العيون جميعها تتجه إلى ذلك الباب.. متى ينادى على المريض الأول ليتبدد الهدوء.. والدقائق تمضي والملل بدأ يغزو تلك الوجوه المتآزرة في اجتماع على منضدة الألم وأثناء شرودهم.. يأتي صوت يشق الهدوء كرسي متحرك يدفع به شخص يحمل عجوزا.. والسنون حفرت تضاريسها على محياه.. وفي الجهة المقابلة تتقدم أخرى بخطوات صاخبة تصطك أقدامها بأرضية المستشفى الملساء.. تبحث عن مقعد شاغر لترمي جسمها المرهق عليه.. في هذه اللحظة تأتي امرأة تلبس ملابس بيضاء.. تمشي بخطوات سريعة إلى الباب وتختفي خلفه بعد لحظة تخرج وتنادي.. الرقم الأول ثم الثاني.. عندها جلس الأمل بثوبه الزاهي.. مدّ يده مداعباً قلبها.. وعيناها مسمرتان على ابنها.. ثم فجأة خرجت الممرضة بسرعة وخلفها رجل يلبس معطفاً أبيض.. وبابتسامة صفراء.. تقول: نأسف يا جماعة.. الطبيب جاءته حالة إسعافية وهو مضطر لمغادرة المكان إلى غرفة العمليات.. سيراكم في الغد إن شاء الله..
- فصرخ شاب يقف بعيداً ويده ترتكز على المقعد المتحرك.. لا ما هذا الكلام؟ ما هذه الفوضى؟ ألا يوجد طبيب غيره؟.. كيف يذهب ونحن في انتظاره منذ ساعات.. صاعقة الكلمات صبت على وجههم وطوت الأمل في داخلهم.. شروخ في عصر الزمن.. ما هذا التمزق في دائرة المجتمع الضعيف.. كيف نكابد آلامنا إلى الأبد.
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|