فشلنا الثقافي
الرسالة الأخيرة إلى سعادة الرئيس..!
خالد أحمد اليوسف
|
في البدء
أقف تحية لك.. ثم ها أنذا ألوح بيدي وأنت تزمع الرحيل بعد أن قمت بعملك خير قيام!!، أودعك شاكراً ممتنا لأياديك البيضاء التي ربتت على القاصي والداني، أودعك بعد أن ترجلت مقتنعاً بضرورة التحديث والتغيير وأهمية التطوير ومواكبة العصر، أودعك بثناء عاطر لأنك مؤمن بدور الجيل الجديد الذي ينتظر الفرصة لتحمل الأمانة التي استطعت تحملها من قبل، أودعك ولساني يلهث بالدعاء لك ولعمرك المديد، فقد سخرته لنا وللوطن!!، أودعك لأني رأيت إخلاصك وتفانيك ولمست صدقك ووفاءك، وحصدت ثمرك وبذرك المبارك، بالتأكيد ستلتفت وتقف طويلاً.. طويلاً أمام كيان استطعت أن تبنيه لبنة فوق لبنة، تتأمل المبنى وعيناك زائغتان ما بين الحاضر والماضي، الحاضر الذي رضيت بعد كل هذه النجاحات التخلي عنه بعد اكتمال البناء، والماضي الذي حفظته الأوراق والملفات والمجلدات ومضى في سجل التاريخ.
أشعر أنك تمر بأصعب لحظات عمرك الفاصلة.. ما بين الدخول والخروج، الأولى حينما ترأست كرسي مجلس الإدارة وأصبحت رمزا لهذا الكيان، والثانية ها أنت تقف أمامها في قرارك الأخير، ها هو التاريخ يقف أمامك ليذكرك كيف كان هذا المبنى.. وكيف بدأت في تكوين مجموعة الأحبة والمرتادين والأعضاء من حولك؟؟، يذكرك خطوات البناء وكيف تفرعت اللجان.. ونشاطات الأعضاء العاملين والمنتسبين الذين يهمهم تفوق مجلسكم وإدارتكم، يعيد عليك جداول الأمسيات والمحاضرات والندوات، وكيف اتسعت الحركة وخرجت من نطاق المدينة والتخصص، ها أنت تسترجع أسماءً ووجوها لا حصر لها، تتذكر مشاركتهم المنبرية وهي كثيرة جداً، وتقف ذاكرتك عند بعضهم فقد نافحت وتنكبت من أجلهم كثيراً، حيث كنت تلح على استمرارية وجودهم في كل موسم ومناسبة، لأنهم أفضل من يمثل الثقافة في الوطن، بل وذهبت لتطبع لهم كتبا متنوعة لتحيل رئاستك إلى أمر لا رجعة فيه، رغم اعتراض أعضاء المجلس كثيراً!!، وتقف هنا متذكراً أولئك الأصدقاء الذين رافقوك في المجلس، متذكراً اعتراضاتهم على قرارات لا حصر لها.. مرة في طباعة كتاب يتعارض مع لائحة المجلس.. ومرة في إصدار دورية ثقافية عامة رغم إدراكك لتكرار مثل هذه الدوريات التي ضاقت الأرض بها، ومرة في أمسية تفوح المجاملة من شخصياتها وتخصصها ومنصبها.. ومرة في ترشيحاتك لأديب أو شاعر أو قاص نال إعجابك لمشاركة خارجية بعد أن رشحته داخلياً لمرات عدة، يضايقك تضامنهم ووقوفهم ضدك، فتلجأ إلى تفرقتهم وتحييدهم لكي يبقى القرار بيدك، تتذكر أن مطالباتهم التطويرية كانت تزعجك كثيراً، فصبرت عليهم حتى أصيبوا بالملل والضجر والبعثرة، ففضل أحدهم العضوية الصورية، والآخر يسأل عن وضع المجلس بالهاتف.. وآخر يمر بين وقت وآخر، وثلاثة منهم كانوا حضوراً أمام عينيك لأن المالية بيد واحد منهم.. والآخر لأنه أمين السر.. والثالث لأنه هو المدير الإداري، هكذا كان المجلس في عهدك!!.
نحن ندين لك بالفضل والامتنان، فقد كان لوقفتك معنا أثر وتأثير امتد إلى هذا اليوم!!؟، كيف لا.. وقد أسست أول ملتقى أدبي على مستوى الوطن ينحصر في القصة القصيرة ويستمر من نجاح إلى آخر، مما استدعى لقيام ملتقيات أخرى تختص بالشعر والآخر بالرواية وأحدثها اختص بالقصة القصيرة جداً!!؟، نعم نحن ندين لك بالشكر فقد آتت هذه الملتقيات بالفائدة التي حلمنا بها كثيراً، فهي أطلقت لإبداعنا العنان كي يصل إلى كل الأصقاع، وساهمت بامتزاج المبدع مع المسؤول والمتلقي في تحمل عبء المتابعة والقراءة والدرس، وكان لوقفتك التاريخية الفضل الدائم لنجاحنا!!.
تحاول قبل الخروج من السور الخارجي التجول على القاعات المرافقة، فقد كانت آخر مشاريعك القاعة الخاصة بمركز المعلومات، لأننا لن ننسى وقفتك مع المرأة التي فرضت وجودها وترددها وزيارتها واستفادتها مثلنا تماما، ولن أنسى كلماتك عند التأسيس: إن هذا الكيان الثقافي لا يعرف التفرقة بين الرواد والأعضاء وفئات المجتمع، لأن الفيصل في ذلك الثقافة والأدب، فمتى ما وجد الإنسان في نفسه الرغبة للاستفادة من إمكانياتنا، وإفادتنا هو مما لديه من علم وثقافة هانحن نخبره أن صدورنا وقلوبنا مشرعة له، وأخبركم من الآن أن الرجل يسير بجانب المرأة في إدارتنا وبحسب أنظمتنا الشرعية، لهذا سنخصص للمرأة كل المرافق المتاحة في هذا المبنى في أوقات محددة لها.
تقف مبتهجاً بهذا الإنجاز الذي حولته من مكتبة تقليدية بل مخزن للكتب والصحف والمجلات، إلى مركز إشعاع ثقافي أدبي يقدم الخدمات المرجعية عن أدبنا ونتاجنا والثقافة الوطنية عامة.
لن نجحف وعيك الذي نشرته في كافة مرافق المبنى، حيث أجهزة الحاسب الآلي في كل زوايا المكتبة ومركز المعلومات، والشبكة العنكبوتية العالمية متاحة لنا دون تعذر واعتذار من استخدامها، وآلة التصويرلا تقف عن التقاط ما نرغبه من أمهات الكتب، ثم حولت الحديقة الجانبية مع المبنى المرافق لها إلى ملتقى رحب، وفضاء مفتوح كمقهى يخدم الأدباء والمثقفين، في الحفلات العامة والخاصة، ولن ننكر فضلك فقد كنت مصراً على أن تكون الرسوم متناسبة مع مكانة الأديب ووضعه المادي.
تحاول الخروج باطمئنان، فالكمال لله عز وجل، لكن تتذكر أن المبنى الصغير المطل على الشارع الرئيس لم تستطع إنجازه بسبب الأنظمة البلدية التي رفضت تحويله إلى محل لبيع الكتب والمجلات الثقافية، وحجتهم أن مثل هذه الإدارة لم يصرح لها بالبيع والشراء للعامة!!.
ها أنت تسير مرتاح البال، ونحن نقف جميعا تحية لك، فقد بلغت ووفيت وإدارتك في أيد أمينة، وستكون أول المدعوين عند التشكيل الجديد.
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
| 
