أعر اف ربَّ ضارةٍ نافعة!! محمد جبر الحربي
|
رب ضارة نافعة، وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم.. كلنا نكره الحروب، ونقف ضدها، ونحاول درء شرورها، ونندد بالساعين لتأجيجها، ونقف مع ضحاياها، وندعو لأسراها وشهدائها، وننتصر للمعتدى عليهم..
وكان من ذلك أن دعمنا أهلنا في فلسطين بكل ما استطعنا، وكذلك أهلنا في لبنان، وفي شتى عواصم ومدن الخلافة كلما حل بهم مصاب..
ثم كان الدمار والخراب الأكبر في أرض الرسالات والفتوحات دار الخلافة فقلنا كما قال العالم بصوت واحد لا للحرب ولا لغطرسة أمريكا وبريطانيا، ووقفنا ولو بأضعف الإيمان مع أهلنا.
واليوم ها نحن نشهد ما أراده الأعداء بديننا وأرضنا وأمتنا وهويتنا وقيمنا، كما نشهد النموذج الساقط الذي تريد أمريكا أن تسير عليه عواصمنا -لا قدر الله- بحيث تكون ممسوخة، وكيانات معزولة لا هوية ولا قيمة ولا انتماء ولا رسالة لها.
يحكمها من ليس منا، ويسرقها كل من هب ودب، ويمحو ملامحها الحاقدون على إرثنا العربي الإسلامي، ويعيث فساداً بها اللصوص والمجرمون، لا أمان ولا مكان ولا حياة ولا حتى ممات لائق.
لكن هذه الحرب رغم كل كوارثها ومآسيها قد فتحت عيون العالم على حقائق خطيرة، وأزاحت عن عيون الناس الذين من طبائعهم النسيان، غشاوات حجبت عنهم شموس الحقيقة الساطعة، وهزت أدمغة سعت دول الجبروت إلى غسلها بمكائن الإعلام والمال والاستهلاك السريع، وأيقظت ضمائر طال سباتها.
ولقد حدث مثل هذا في حرب فيتنام، لكن وسائل الإعلام والاتصال لم تكن قد وصلت إلى هذا الحد من التطور المذهل.
رب ضارة نافعة فقد تكشف زيف الشعارات التي أريد بها تضليل العالم، فتحت شعار الديموقراطية تم احتلال بلد وتدمير حضارته وقتل مئات الآلاف من أبنائه، وتحت شعار الحرية تم سجن عشرات الآلاف بشكل عشوائي وتم تعذيبهم، يشهد الغرب قبلنا على نوعية المعاملة التي يلقونها تحت شعار دولة القانون، فيما تستباح العروض، وتلغى حرمة المساجد والجامعات، ويقتل العلماء والمفكرون، وتحت شعار حرية الإعلام سقط إلى اليوم في العراق مئات الصحفيين والكتاب أصحاب الرأي وكل من قال إنكم تحتلون وطني..
وتحت شعار العدالة والمساواة والشفافية يغتال ويبعد ويسجن كل من لا يوافق على ما يدونه المستعمر وأدواته، وتحت شعار الثقافة الجديدة والانفتاح تمحى الثقافة العربية، وتنحّى اللغة العربية المبينة، ويرمى بها إلى الصفوف الخلفية.
رب ضارة نافعة فقد كان للفتوحات في عهد النبي الدور الرئيس في فضح المنافقين، والسوس الذي ينخر الدولة، وبفضل المقاومة المشروعة اليوم تم فضح المنافقين الجدد، وأصبح واضحاً زيف الشعارات التي انطلت على بعض الناس حيناً فسقطت الأحزاب تلو الأحزاب ولم يكن أولها المجلس الشيعي الأعلى وجناحه العسكري لواء بدر، أو غدر كما يفضل العارفون، الذي يصفي ويدمر بشكل حاقد لم يسبق له مثيل كل ما له علاقة بالعرب، ولم يسلم منه حتى تمثال أبي جعفر المنصور!! ولا أحزاب أخرى ترى أن العرب والسنة تحديداً هم أسباب ما يحل في العراق الآن من دمار.
ولن يكون آخر الأحزاب الساقطة الحزب الشيوعي في العراق الذي التقت مصالحه مع الأمريكان في آخر المطاف!!
رب ضارة نافعة فلقد رأينا عدداً كبيراً من الإعلاميين والكتاب والمثقفين العرب يتنقلون على هواهم في فلك أمريكا، يخادعون الناس وما يخدعون إلا أنفسهم، فقد اكتشفت ألاعيبهم، وأصبحوا معروفين بانتهازيتهم لرجل الشارع العادي، وسقطوا سقوطاً مريراً لا قيامة لهم من بعده في قلوب وعقول أبناء هذه الأمة العظيمة مهما أثقلتها الكوارث وتكالب عليها الأعداء.
رب ضارة نافعة أن هدانا الله لنميز الطيب من الخبيث، والحق من الباطل، والخير من الشر، والجمال من القبح والسوء.
mjharbi@hotmail.com
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|