مفكرة في بؤس الكتاب السعودي ماجد الحجيلان
|
إحدى قلاع المحافظة والتقليدية في البلاد نظمت معرضًا للكتاب منذ سنوات كان من أفضل المعارض التي شهدتها السعودية من حيث الرقابة على الكتب السياسية والأدبية والفكرية؛ لا لأن القائمين على تنظيمه كانوا من الانفتاح والمعرفة بحيث سمحوا بذلك، بل لأنهم أساؤوا تقدير حجم الكتب التي ستَرِد إليهم، وفاجأهم طول القوائم التي وردت، وقلة عدد الرقباء والموظفين الذين تم تعيينهم لهذا الغرض، ثم أنهم شغلوا مع افتتاح المعرض بمصادرة كتب المذاهب والطوائف والملل الأخرى، بينما وزعت إحدى دور النشر المشاركة كتبًا لم توزعها في معارض أخرى مطلقا، وكان الزائر يمتلئ عجبًا حين يرى (تربية عبد القادر الجنابي) تنام بهدوء على الرف إلى جوار روايات دار التقدم الروسية الأيدلوجية في هذا المعرض العجيب وفي وسط هذا الصرح الذي انصب اهتمام مسؤوليه على تشطيب الصور وتنظيم دخول النساء بعيدا عن أعين المتربصين الجائعين من الرجال.
إن التجربة مع معارض الكتب الأخيرة في المملكة ليست سارة على النحو الذي يليق بسوق الكتاب العربية الأولى التي هي مرمى دور النشر ومصدرها الأول للدخل، خاصة إذا ما لوحظ أن معارض الكتب العربية المجاورة تشهد إقبالا سعوديا يفوق بأضعاف زوارها من البلد نفسه، بينما يضيع وقت القارئ السعودي بين سفر وفنادق وجمارك ومطارات لأجل (درزينة) كتب وأحيانا لأجل رواية أو مجموعة شعرية جديدة.
تبزغ فكرة الكتاب ويؤلف هنا ثم يطبع ويباع في الخارج ويعاد ليقرأ ويُنقد هنا، فلماذا لا يفكر أحد في سد هذه الثغرة التي ليس لها مبرر؟ ويمكن تدليلا على هذه الظاهرة الفريدة لأي مثقف أو مثقفة أن ينظر في رفّ مكتبته متأملا أين طبعت الكتب السعودية، وكم نسبة ما طبع منها في الداخل إلى الكتب المهاجرة العائدة سرا.
في تجربتَيْ معرض الشارقة والقاهرة الدوليين ما يجدر تأمله؛ فإن تراكم الخبرة وحدها لا يكفي رغم أهميتها ولا مساحة الحرية المتاحة وحدها تكفي، ولا تولي جهة واحدة المسؤولية بانتظام كفيل بنجاح أي معرض؛ إنما هو كل ذلك مجتمعا، لم يبلغ معرض الشارقة الدولي للكتاب نصف عمر معرض القاهرة الذي تجاوز ثلاثين عاما من الخبرة التي لم تعفه من الأخطاء السنوية المتكررة ما يدل على أن السنوات قد لا تتراكم بشكل إيجابي مطلقا، في المقابل معرض الشارقة تميز عن كل المعارض الأخرى في غناه وتنوعه وحسن تنظيمه، ولا يمكن أن يدخل في أي مقارنة جدية مع معارض دمشق وبيروت والكويت وأبوظبي والبحرين والرياض رغم أقدميتها ورغم الكلام عن أن تلك المعارض تزيد في دعواتها عن دور النشر الستمائة التي يدعوها الشارقة كل عام.
وإذ تجري حاليًا تحضيرات لتنظيم معرض للكتاب في الرياض مطلع العام الهجري المقبل؛ فإن من الجدير التنبه إليه أن تشكيل اللجان وتوسيعها والتحضير المبكر ليس وحده كافيا، وليس الرهان الأكيد على نجاح معرض كتاب من عدمه، بل إن تقديم توصيات جدية في هذا الشأن تنهي زمن الارتجال وإقامة المعارض بناء على اقتراحات أو رغبات أفراد، تمهيدا لاتخاذ قرار ثقافي جريء يجعل للكتاب مؤسسة أو هيئة عامة تتولى شؤونه ومعارضه ودُور نشره وترجمته وتوزيعه وتشجيعه، وأن تحسم مسؤولية وقرار الكتاب بين الوزارات والجامعات والقطاع الخاص، غير أن الشواهد الكثيرة حاليا لا توحي بأي تغيير ذي جدوى يحسن انتظاره، ولما كان الأمر كذلك فسيظل الكتّاب ينعشون سوق النشر في بيروت ودمشق والقاهرة بالطباعة، بينما يشتري القراء الكتب ويدسونها على هون بين ملابسهم في حقائب السفر ليتجادلوا مع موظفي الجمارك والإعلام في مطارات السعودية ومنافذها، في مشهد بائس متناقض لا يعرفه على مستوى التاريخ والجغرافيا إلا الكتاب السعودي الذي يالبؤسه قدّر له أن يكتب هنا، أما كيف ستدخل النساء معرض الرياض الدولي للكتاب فالله مسؤول أن يلهم القائمين عليه عقلا إداريا وفلسفيا جدليا لحل هذه المعضلة الكبرى.
hujailan@yahoo.com
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|