ثقافة الصمت وصمت الثقافة
|
مع بداية ممارسة الطفل للكلام يبتدئ تعليمه ثقافة الصمت ومحاسنه وفضائله حتى أصبح الصمت ثقافة تميزنا عن غيرنا.. فكل أفراد المجتمع ينادون بالصمت وتتعالى أصوات الآباء والمعلمين والخطباء والمثقفين مطالبة الجميع بالصمت فيقول أحدهم: (الصمت زين والسكوت سلامة)، والآخر: (إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب)، وآخر: مت بداء الصمت خير لك من داء الكلام.. أي داء وأي دواء أن يعجز أحدنا عن البوح بآماله وآلامه.
إن هذه الثقافة جعلتنا لا نجيد الكلام ولا الاستماع ولا نستطيع الحوار مع بعضنا ولا الاستماع لبعضنا طلباً للسلامة، متناسين أن المرء بأصغريه قلبه ولسانه. إن الإنسان العاقل يعرف بحسن منطقه لا بطول صمته.
ولقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لرجل قال عنده: (الصمت مفتاح السلامة) فقال عمر: (ولكنه قفل الفهم).
وقد يكون الصمت فضيلة في زمن ما وكذلك الكلام ولكن صمتنا ودعوتنا إلى الصمت جعلانا نعيش حياة الموتى، فلا نعرف بعضنا ولا ندري ما يدور حولنا وإن علمنا فإن صمتنا يمنعنا من المناقشة أو المسارعة في اتخاذ القرار المناسب والفعل الواجب طلباً وطمعاً في السلامة.
وبعد أن علمنا عيوب ثقافة الصمت التي نعيش ونفاخر بها فلقد آن الأوان للمثقفين والمؤسسات المعنية بالثقافة أن تسارع في إخراجنا من صمتنا، خصوصاً إذا علمنا أن دور الثقافة هو صناعة الحياة وتشكيل العالم كما يقول أحدهم، فماذا ترى سنقدم للحياة بصمتنا وماذا سنشكل في العالم نحن الصامتين، وهنا يأتي دور الثقافة الواعية التي تزرع فينا حسن الحوار والمناقشة بصوت عقلاني وواضح ومسموع وتبعدنا عن الخطأ الجسيم الذي نشترك فيه جميعاً، وهو الخوف من الكلام وقول الحقيقة والارتهان إلى الصمت طلباً للرضا والسلامة.
ولعل الظروف المحيطة بنا الآن والتي تتكالب علينا من كل حدب وصوب داخلياً وخارجياً تظهر أهمية الدور الذي يجب أن تقوم به الثقافة.. فنحن الآن في أشد الاحتياج إلى ثقافة واعية، ثقافة ناطقة، إلى ثقافة لديها القدرة على المشاركة في الأحداث، إلى مثقفين قادرين على توضيح وشرح ما يحدث وكشف ما يدور حولنا بعيداً عن التهويل والتأويل.
سلاحهم في ذلك علم نافع وعقيدة إسلامية رصينة تمقت الكذب والتضليل والتزييف، مع إدراكنا بأن دور المثقف ليس الإجابة عن كل الأسئلة ولكنه وضع الأسئلة لكل المشكلات ليشارك الجميع في حلها والقضاء عليها.
وبعد كل هذا هل لا يزال هناك من يطالبنا بالصمت وهل ستظل ثقافة الموتى أملنا وحلمنا وأعظم طموحاتنا أم هل ستظل الثقافة صامتة عما يدور حولنا ويراد بنا؟.. وهل يقف دور ثقافتنا لقراءة الأحداث دون المشاركة فيها أو منعها والقضاء عليها أم تظل ثقافتنا هي ثقافة حب السلامة والرضا والتسليم بالواقع والارتهان للصمت؛ طلباً للنجاة وعدم إظهار الحقيقة الماثلة لا الحقيقة التي نريد؟
غرم الله حمدان الصقاعي الغامدي
Ghms3@hotmail.com
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|