Culture Magazine Monday  06/08/2007 G Issue 210
تشكيل
الأثنين 23 ,رجب 1428   العدد  210
 

الخديدي مبرراً غيابهم:
هذه المواقف أبرز الأسباب في تراجع عطاء التشكيليين

 

 

إعداد - محمد المنيف:

يؤكد الفنان فيصل الخديدي في موضوعه اليوم على العديد من أسباب بعد أو ابتعاد عدد من الفنانين التشكيليين على مستوى المملكة أو في محافظة الطائف التي تحتضن الكثير من المبدعين ويشير إلى أسماء مهمة هناك منهم الفنان حماد الجعيد والفنان هاشم المهنا والفنان خيرالله تركستاني والفنان الألمعي استكمالا لموضوع تطرقنا له (في يوم الاثنين 13 ربيع الثاني 1428 العدد 197) بعنوان (تشكيليون مبدعون أثروا الساحة وساهموا في بنائها ثم ابتعدوا عنها), ويقدم الفنان الخديدي في موضوعه اليوم عددا من النقاط والتوصيات والحلول الإيجابية نترككم معها ومع ما جاء في مشاركته التي نعتز بها وبكل ما يماثلها من الزملاء التشكيليين.

الانصراف إلى مجالات جديدة

يقال إن الإبداع يولد من رحم المعاناة.. ولكن المعاناة في بعض الأوقات تكون عقبة وعائقا أمام كثير من الإبداع، وعند استعراض مسيرة التشكيل السعودي نجد العديد من الأسماء المؤثرة والتي كان لها أدوار فاعلة وأعمال رائعة, تسجل غيابا حاليا عن الساحة التشكيلية، فعلى الرغم من تواجدهم إلا أن البعض منهم صرف أنشطته إلى مجالات بعيدة عن التشكيل والبعض الآخر ابتعد عن جميع المناشط..

وبالنظر إلى الموضوع من زاوية أخرى وهي زاوية الفنان نفسه والعوامل المؤثرة في ابتعاده عن الساحة التشكيلية، نجد العديد من العوامل التي ربما تلعب دوراً رئيساً في ذلك الابتعاد ولعل أبرزها:

الغربة الاجتماعية التي عاشها ويعيشها العديد من الفنانين، وهي تأتي إما بعدم تقبل المجتمع والثقافة الجمعية لطرح الفنان وفكره لكونه طرحاً متجاوزا لهذا المجتمع وثقافته فيكون طرحا غريباً وغير مقبول لدى المجتمع، ولا يستطيع المجتمع استيعاب وهضم هذا الطرح، وبالتالي يُمارس على هذا الفكر وهذا الطرح الإقصاء والتجاهل والتهميش وذلك من أشخاص نصبوا أنفسهم حراساً للساحة، مما يحدو بالفنان إلى العزلة والانطواء والانكفاء على الذات والبعد عن الأنشطة الثقافية وهو ما حدث مع بعض الأسماء التشكيلية في الساحة المحلية.

كما أن الغربة الاجتماعية تأتي بشكل آخر وهي أن الفنان يقدم طرحا وفكرا قد تجاوزه المجتمع بمراحل ظاناً أنه يقدم الجديد، وبذلك يعيش في أمجاد وعهد قديم، وُيحمل المجتمع عدم فهم أفكاره وأطروحاته، ويُصدم بما يقدم ويطرح في الساحة الثقافية، وتكون النتيجة أيضاً بالانكفاء والعزلة وقطيعة الساحة التشكيلية.

كما أن ما يقع على عاتق الفنان من أعباء ومهام لا يتوازى مع ما يحصل له من فائدة ومردود أو ناتج من الممارسات التشكيلية، وهو من أبرز أسباب ابتعاد عدد من الأسماء عن الساحة التشكيلية، فالفنان هو الذي يفكر ويطور هذا الفكر بقراءاته وبحثه الذاتي، ومن ثم ينفذ الفكر ويخرجه في أعمال تشكيلية وفكرية تمثله وتمثل تجربته، ويتحمل أعباء العرض والتسويق لنفسه وفنه من خلال الصالات التشكيلية وأماكن العرض، والبحث عن داعم ومقتنٍ ونقل وشحن الأعمال و...و .., وصولاً إلى صياغة الخبر والتغطية الصحفية عن معرضه وعن عمله، وفي كثير من المعارض يخرج الفنان دون أدنى فائدة لا إعلامية ولا نقدية ولا حتى مادية.. وهو الذي ينعكس بشكل سلبي على الفنان ويبعده عن الساحة التشكيلية.

كما أن وضعية الساحة التشكيلية غير المشجعة في كثير من ممارساتها, من محسوبيات وعلاقات شخصية ابتداء من الكتابات الداعمة والمؤيدة لبعض التجارب، وصولاً إلى المسابقات التشكيلية وإشكالياتها، والانتقائية والاحتكار في المشاركات والمعارض الخارجية، وغياب البعثات والمنح الدراسية والدورات التخصصية التطويرية في مجالات الفنون التشكيلية، وغياب الكليات والدراسات العليا المتخصصة في مجالات الفنون التشكيلية والاقتصار على القبول المحدود في أقسام التربية الفنية.. كل هذه من الأمور المحبطة والمبعدة عن الساحة التشكيلية، فمن سكنه الهم الثقافي قد لا يجد عنده متسعا لكثير من الهموم والإحباطات التي تزيد من أعبائه..

ولعل هذه الأسباب وغيرها كانت وراء ابتعاد الكثير من التشكيليين عن الساحة التشكيلية، وهي ليست نظرة سوداوية أو (بكائية التشكيليين) كما يذكر أحد الإخوة المهتمين بالوضع التشكيلي السعودي، وإنما هي واقع يعيشه كثير من التشكيليين، فالمتابع له عن قرب يرى أوضاع التشكيليين أكثر من غيره، فيجد الفنان الذي قدم الكثير للساحة المحلية وأفنى حياته لخدمة التشكيل ولم يتبق من ذكره وذكر أعماله إلا الشيء اليسير الذي يحتفظ به ورثته دون تخليد له في ذاكرة التشكيل السعودي بدراسات وأبحاث أو صالة تشكيلية أو معرض دائم لأعماله..., وآخر أفنى أكثر من خمسة عشر عاماً من عمره في مشروعه التشكيلي حتى اكتمل وغدا رمزاً للهوية المحلية، وفي المقابل لم يعط أبسط حقوقه في تسليط الأضواء الإعلامية على هذا الجهد وهذا المنجز, ودعمه ومكافأته على ما قدم... وليس عنا ببعيد ذلك الفنان الذي لم يجد بدا من استخدام سواكه بديلاً عن فرشاة الألوان لكي يطفئ نهمه التشكيلي ويلبي حاجته للجمال ومكامنه، والذي ما لبثت أن غلبته ظروفه وأبعدته عن الساحة كغيره من التشكيليين...

ناهيك عن الأوضاع المادية التي تؤرق كاهل الكثير من التشكيليين، وهي التي كان لها الدور البطولي في إبعاد الكثير من الأسماء عن معترك الفنون التشكيلية, فإلى متى يظل الفنان يقتسم لقمة عيشه وعيش أبنائه مع التشكيل دون مردود...، وإلى متى تظل منازل كثير من التشكيلين تائهة هويتها بين كونها منزلا أو مرسما أو مستودعا لتخزين الأعمال، ولكي نتجاوز هذه الإشكاليات وغيرها في الساحة التشكيلية المحلية، ولتكون قادرة على استيعاب الكثير من المواهب الفنية التي عزفت عن الفنون التشكيلية وممارستها، لا بد من خلق مناخ مناسب لنمو وتطوير الفنون التشكيلية، بدءا من الدراسة العلمية لواقع الفنون التشكيلية ومعوقاتها، وطرق وأساليب تجاوزها والتغلب عليها، وتشجيع البحوث العلمية في هذا الجانب، والاستفادة من البحوث السابقة...

كما أن إنشاء المراسم والمحترفات التشكيلية في مختلف المناطق والمحافظات يخلق جوا من التواصل بين التشكيليين ويضمن بيئة صحية لنمو المواهب الفنية واستمراريتها.

ومن العوامل المؤثرة في تطوير ورقي الساحة المحلية التثقيف المجتمعي والذي يكون من خلال البرامج التلفزيونية والإذاعية والصحف المحلية، وتبني التأليف والطباعة في شتى المجالات التشكيلية...

ومن جهة أخرى يمكن للجهات المعنية بالثقافة عموماً والتشكيل على وجهة الخصوص تطوير قدرات عدد من الفنانين بشكل فردي من خلال تفريغهم لفترات معينه لا تقل عن السنتين على أن يقدم مشروعاً تشكيلياً وفق ضوابط ومعايير تدرس وتعمم دون محسوبيات ومحاباة...

كما أن توسيع دائرة البعثات والمنحات الدراسية في مجالات الفنون التشكيلية والدورات التخصصية، يفتح آفاقا أوسع للتشكيل السعودي ويربطه بما هو حاصل على مستوى الفنون التشكيلية عالمياً...

كل هذه الآمال وغيرها معقودة على جمعية التشكيليين التي يرتقب التشكيليون تفعيل دورها وبدء خططها وأعمالها بعد الانتهاء من الهيكلة التنظيمية لها، ولن تتحقق الآمال وتنظم الأمور التشكيلية بعصاً سحرية أو بخطابات مطولة وانتقادات عريضة وإنما بالتخطيط الجيد، والاستراتيجيات المدروسة، وتلمس مواقع الاحتياج والخلل وتجاوزها، والاستفادة من التجارب السابقة، وعدم الازدواجية والتشتيت في اتخاذ القرار في جميع أمور الشأن التشكيلي...

****

لإبداء الرأي حول هذا اللقاء أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«6461» ثم أرسلها إلى الكود 82244

monif@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة