الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
يأمرنا المولى -عز وجل- بالاستمتاع بالطيبات التي خلقها لعباده، وذلك من خلال النصوص القرآنية التي تدعو إلى التمتع بالطيبات من الطعام والشراب، وغيرها.
ويدعو الإسلام إلى الاقتصاد والاعتدال في الإنفاق، والتنفير من الإسراف والتبذير، وذلك لأن الإسراف مفسدة للمال وللنفس وللمجتمع.
وأمام تزايد ظاهرة الإسراف والكماليات التي انتابت الناس في العصر الحاضر، أصبح من الأهمية بمكان الاستفادة من الفائض سواء كان مأكلاً أو ملبساً وغيرها للمحتاجين والجمعيات الخيرية.
«الجزيرة» التقت عدداً من المهتمين ليتحدثوا عن ذلك؛ فماذا قالوا؟
شظف الحياة
يقول الشيخ الداعية عبدالله بن متعب الطيار: إذا أنعمك الله بنعمة فإنها تحتاج إلى اعتراف دائم بالمنعم، ولهج بحمد المولى، وحسن تدبير في التعامل معها، فإن النعم إذا لم تُقدّر وتحترم فرت إلى قوم آخرين، وإن شكرت قرت في ربوعهم، وامتدت إلى ذرياتهم.
قال أبو حاتم البستي: «من أساء مجاورة نعم الله أساءت مجاورته وتحولت عنه إلى غيره».
وأنشد الشاعر:
فإن كنت في خير فلا تغترر به
ولكن قل اللهم سلم وتمم
وقد أدركنا كبار السن الذين عاشوا شظف الحياة وعناءها يلهجون عامة يومهم بحمد الله، ويحترمون بقايا الطعام والنعمة بشكل عجيب لمعرفتهم قساوة أضدادها من الجوع، وفظاعة الحال عند سلب النعم.
تضييع الحق
يؤكد عبدالله الطيار: إن هدر الطعام بكميات كبيرة، وعدم حسن التعامل مع الفائض من الطعام والملابس والأثاث، وترك التعاون مع الجمعيات المعنية لهو تفريط كبير، فهو إساءة في استعمال النعمة، وتضييع لحق المحتاج.
في صحيح مسلم بينما كان النبيِّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفِرٍ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ يمشي على قدميه ومعه دابة ضعيفة، فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا ينظر إلى من يُعينه، ففهم رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- وقال: (مَن كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ أي دابة، فَلْيَعُدْ به علَى مَن لا ظَهْرَ لِه، وَمَن كانَ له فَضْلُ مِن زَادٍ أَي طعام، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَن لا زَادَ له. قالَ: فَذَكَرَ مِن أَصْنَافِ المَالِ ما ذَكَرَ كالثوب والنعل والنقود حتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ).
فهل من شكر الله نترك الفائض من الطعام الذي مآله الهدر في النفايات، أو انتهاء صلاحيته قبل استعماله، وهل من الشكر يترك المسلم فائض الملابس التي لا يحتاجها حبيسة الأرفف وغيره ينتفض من البرد، وهل من الشكر أن تمتلأ المخازن والمستودعات بما لا نحتاجه، فتمكث دهراً على هذه الحالة، ويكون عاقبة أمرها إلى أكوام من المخلفات، مشيراً إلى أن الفائض من ممتلكاتنا فرصة ثمينة لمواساة المحتاجين، والتعاون مع الجمعيات ذات العلاقة التي تقوم بإيصالها للمستحقين، وهي تدل على ثقافة حميدة وهي احترام النعم وشكرها.
معاني التكافل
يوضح الأستاذ عثمان بن عبدالله العثمان رئيس جمعية النعمة بالأفلاج (صون) أنّ من أبهى صور الإحسان، وأجل معاني التكافل، أن يُؤخذ من فضل ما أُنعِم به على الغنيّ، ما يُطفئ لهفة الجائع، ويكسو جسد العاري، فيكون الفائض نعمةً ثانية لا هدرًا، وعطاءً مضاعفًا لا تبديدًا، مشيراً إلى أن المأكل والملبس، إذا زاد عن حاجة أصحابه، فذلك فضل الله يؤتى به على أقدار، ليكون ميدانًا للاختبار، ومجالًا للاختيار بين الجود والبخل، وبين الشكر والنكران.
وإنّ من أعظم صور الشكر أن يُصرَف هذا الفائض في وجوه الخير، لا أن يُلقى في القمائم، كأنما النعمة قد مسّها الجفاء، أو جهل قدرها العقلاء.
حفظ النعمة
يشدد عثمان العثمان على أن الواجب على الأمة -حكامها ومحكوميها- أن تُعلي في ضميرها هذا المبدأ الإسلامي الرفيع، وأن تُحيي في وعيها الجمعي هذا السلوك النبيل، ليغدو حفظ النعمة ثقافة لا استثناء، وعادة لا طارئاً، وسجية لا تكلفاً.
وما أجمل أن تكون الجمعيات الخيرية جسوراً بين يد أعطت ويدٍ امتدت، وبين قلبٍ رق، وبطنٍ جاع، حتى يعم الرخاء، وتطوى صفحات الجوع، ويظل المجتمع في عافية من التبذير، وأمان من الحرمان.