سلمان بن محمد العُمري
لعل خير ما أفتتح به المقالة الحديث الذي رواه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأورده الإمام مسلم في صحيحه «كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع»، وما أحرانا في هذه الأيام أن نلتزم هدي نبينا الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وإن كان ظاهر الحديث هو التحذير من كثرة الكلام ونقله لما قد يقع فيه الإنسان من سقطات اللسان وخشية أن يقع في الكذب حينما يخبر بكل ما سمعه دون تمحيص أو تثبت، لأن من هذا دأبه فهو يستمع للصادق والكاذب، فإذا حدث بما سمع فقد يقع في الكذب دون أن يعلم، وهذه دعوة نبوية إلى التحري والتثبت وعدم النقل وزجر نقلة الأخبار عن عملهم هذا، وعدم نقل كل ما يقال دون تمحيص.
ونحن اليوم نتعايش ساعات طوال مع مواقع التواصل المتعددة فواجب علينا أن نتذكر هذا الحديث، ونضع نصه أمام أعيننا، ونلتزم بما جاء فيه؛ فالبعض أصبح موضوع القص واللصق وهوس الإرسال غالب عليه، فما أن يرد إليه شيء في هاتفه المحمول إلا ونجده يرسله للمجموعات وقوائم الاتصال، والبعض عن حسن نية أو عن سذاجة و كلتا الحالتين فيهما خطر ديني ودنيوي بل وأضرار متعدية أمنياً واقتصادياً واجتماعياً، والواجب على كل شخص أن يتأكد مما يرد إليه ولا ينقله إلا لضرورة قصوى، وبعد أن يتأكد من صحة وسلامة المنشور وألا يكون مكذوباً وليس فيه ضرر على المتلقي أو على صاحب المضمون المرسل.
وفي التحذير من نشر بعض الرسائل التوعوية التي يريد فيها صاحب النشر الخير والثواب وكسب الأجر؛ فيجب الاهتمام والعناية والفحص من خلال المواقع المعتمدة لثلا يقع الإنسان في المحذور والمحظور؛ فالحديث الذي اجتمع على روايته العشرة المبشرون بالجنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار».
قال الحافظ النووي في شرح مقدمة صحيح مسلم: حديث عظيم في غاية من الصحة ولا يعرف حديث اجتمع على روايته العشرة إلا هذا، ولا حديث يروى من أكثر من ستين صحابياً إلا هذا.
ولمن أراد أن يحصل خيراً عن شأن من شؤون المجتمع وهو يخص دائرة رسمية فعليه أن يتأكد من مصدر موثوق لئلا يكون في دائرة الإشاعة، وللأسف هناك من يتقصدون نشر بعض الأخبار الزائفة لإثارة البلبلة في المجتمع، ويتلقف الأخبار السذج ويروجون لها بنشرها مرة أخرى، وكأنهم في ميدان سباق أيهم الذي ينشر أولاً.
وللأسف أن هناك من كبار السن والمتعلمين من أصبحوا يسيرون في هذا المضمار ويعيدون نشر الرسائل دون تثبت، والأخطر هو نقل الإشاعة المنظمة التي يخطط لها الأعداء مستخدمين البعد العاطفي لتكون أكثر جاذبية، واستخدام الذكاء الاصطناعي، وأحياناً القص والسرد وعناصر الحبكة في القصة أو الخبر، وهي التي تلعب دوراً كبيراً في الميل للتصديق والانتشار، والمسلم العاقل يجب أن يكون كيسا فطنا، ولديه حسٌ وطني وأمني واجتماعي، ويكون لديه «فلتر» ينخل ما يرد له، وليس بملزوم من نشر كل ما يرد إليه.