المدينة المنورة - خاص بـ«الجزيرة»:
أكد الدكتور عارف بن مزيد السحيمي أستاذ العقيدة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة أن الإِسلامُ جعل لكلٍّ من الزوجين الشريكينِ على صاحبِه حقوقًا، يحصُلُ – بأدائها - استقرارُ واستمراريةُ هذه الشَّرِكَةِ، وحثَّ كلًا من الشريكين أنْ يؤديَ ما عليه، وأن يغضَّ الطَّرْفَ عما يحدُثُ من تقصير في حقوقه أحيانًا، وأنه يجبُ على الزوجين القيامُ بما عليه من حقوقٍ تجاه الآخر حتى تستقيم الحياة، ويتفرغان لتربيةِ أولادِهما، فيعودُ أثرُ ذلك على صلاح البلاد والعباد، مشيراً إلى أن الأسرةُ هي اللبنةُ الأولى في المجتمع، إذا صَلَحَتْ صَلَحَ المجتمعُ كلُّه، وإذا فسدتْ فسدَ المجتمعُ كلُّه، لذا أولى الإِسلامُ الأسرةَ عنايةً كبيرة، وفرضَ لها ما يكفل سلامتَها وسعادَتهَا، وقد اعتبر الإِسلامُ الأسرةَ مؤسسةً تقومُ على شركة بين اثنين، وقد اختار الشَّارعُ الحكيمُ الزَّوجَ لهذه المهِمَّةِ، لا انتِقاصًا مِن حَقِّ الزَّوجةِ، لكِنْ لأهليَّتِه لذلك؛ فجَعَل القِوامةَ للرَّجُلِ على المرأةِ، كما قال الله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ).
حقوق الزوجين
وأبان د. عارف السحيمي في حديثه لـ «الجزيرة»: أن من حقوق الزوج على زوجته: طاعتُه، وطاعةُ المرأةِ لِزَوجِها واجِبةٌ، وتكونُ في المعْروفِ فيما هو من حَقِّه، وفي حُدودِ استطاعتِها، بدونِ مشقَّةٍ عليها أو ضَرَرٍ، كما قال الله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ)، فجعلَ الله القِوامةَ للرَّجُلِ على امرأتِه، فعليها أن تُطيعَه في كلِّ هذا، ما لم يكُنْ في أمْرِه مَعصيةٌ، كما أن من حقوق الزوج: خِدمةُ المَرأةِ لزَوجِها فيما دلَّ عليه العُرفُ، وعدمُ تحميله ما لا يطيق من النفقات، وقد قال الله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)، فخِدمةٌ المرأةِ لِزَوجِها وعدمُ تكليفه ما لا يطيق من نفقةٍ: من المعاشرةِ بالمَعروفِ.
ومن حقوق الزوج: تمكينُ الزَّوجِ مِن الاستِمتاع، فيجِبُ على المرأةِ تمكينُ الزَّوجِ مِن الاستِمتاعِ بها فقد جاء في حديث أبي هُريرةَ - رَضِيَ اللهُ عنه - قال: قال رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا دعا الرَّجُلُ امرأتَه إلى فِراشِه فأَبَت فبات غَضْبانَ عليها، لعنَتْها الملائِكةُ حتى تُصبِحَ) رواه البخاري ومسلم، وفي رواية: (والذي نفسي بيَدِه، ما مِن رجُلٍ يدعو امرأتَه إلى فِراشِها فتأبى عليه، إلَّا كان الذي في السَّماءِ ساخِطًا عليها حتى يَرضى عنها) رواه مسلم.
فلَعنُ الملائكةِ لها دليل على وُجوبِ إجابتِها إلى فِراشِه إذا دعاها إليه؛ إذ لا يَلعَنونَ إلَّا عن أمْرِ اللهِ، ولا يكونُ إلَّا عُقوبةً، ولا عُقوبةَ إلَّا على تَركِ واجبٍ.
واسترسل د. السحيمي في حديثه قائلاً: ومن حقوق الزوج: عدَمُ خُروجِ المرأةِ مِن بَيتِ زَوجِها إلَّا بإذنِه، فعن ابنِ عُمرَ - رَضِيَ اللهُ عنهما - قال: قال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (إذا استأذَنَكُمْ نِساؤُكم باللَّيلِ إلى المسجِدِ، فأْذَنوا لهنَّ) رواه البخاري ومسلم، فالحديثُ دليلٌ على أنَّ المرأةَ لا تَخرجُ مِن بَيتِ زَوجِها إلَّا بإذنِه؛ لِتَوجُّهِ الأمرِ إلى الأزواجِ بالإذنِ، ومن حقوق الزوج: امتثالُ ما جاءَ في حديث أبي هُريرةَ - رَضِيَ اللهُ عنه -، أنَّ رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يحِلُّ للمَرأةِ أن تصومَ وزَوجُها شاهِدٌ إلَّا بإذنِه، ولا تأذَنَ في بيتِه إلَّا بإذنِه، وما أنفَقَتْ مِن نَفَقةٍ عن غيرِ أمرِه، فإنَّه يؤدَّى إليه شَطرُه) رواه البخاري ومسلم.
العشرة الزوجية
وأوضح د. عارف السحيمي أن المرأةُ قد تجهل هذه الحقوق فمن مقتضى النصيحة لها: تعليمُها أمورَ دينها ومنه تعليمُها حقوق العشرة الزوجية، فالزوجُ راعٍ ومسؤولٌ عن رعيته، وإن لم يتيسر للزوج تعليمُها، فعليه أن يأذن لها في حضور مجالس العلم حتى تتفقه في دين الله تعالى، أو يوجهها لاستماع ما يحصلُ به رفعُ الجهل عن نفسها من أهل العلم المعروفين بالعلم وسلامةِ المنهج، وهذا أمر يتساهل فيه كثير من الأزواج، وقد قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)، ووقايةُ الأهل من النار تكون بتأديبهم وتعليمهم، ولا يسلَمُ العبدُ إلا إذا قامَ بما أمر اللهُ به في نفسه، وفيما يدخل تحت وولايته ومنهم الزوجات، مشيراً إلى أنه كما أنَّ على الزوجة حقوق يجب القيامُ بها نحو زوجها، فكذلك على الزوج حقوقٌ عليه أن يقوم بها نحو زوجته، ومن ذلك:
معاشرتها بالمعروف من الصحبة الجميلة وكفِّ الأذى وبذل الإحسان وحسن المعاملة، كما قال الله تعالى: (وعاشروهنَّ بالمعروف)، ومن حقوقها على زوجها: قيامه بنفقة الطعام والشراب والكسوة والمسكن والخدمة، فعن جابرٍ - رَضِيَ اللهُ تعالى عنه -، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في حديثِ الحَجِّ بطُولِه، قال في ذِكرِ النِّساءِ: (ولهُنَّ عليكم رِزقُهنَّ وكِسوَتُهنَّ بالمعروفِ) رواه مسلم، وقال تعالى: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ) فإذا وَجَبَت السُّكْنى للمُطَلَّقةِ، فللزَّوجةِ مِن بابِ أَولى، وقال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)، ومِن المعروفِ أن يُسكِنَها في مَسكَنٍ وينفق عليها بالمعروف.
ومن حقوقها أن يعدل بينها وبين ضرَّتها إن كان لها ضرَّة، ففي الحديث: (من كان له امرأتانِ يميلُ لإحداهما على الأخرى جاءَ يومَ القيامةِ أحدُ شِقِّيه مائل) رواه النسائي.
وشدد د. السحيمي في ختام حديثه: على الزوجين القيامُ بما أوجبَ الله عليهما من الحقوق، وعلى الزوج الصبرُ وعدمُ الاستعجال في الطلاق حتى لا يحصل شتاتُ الأولاد وضياعهُم، وعلى من ابتلي بزوجةٍ لا تنتفعُ بوعظٍ ولا تذكيرٍ، ولا هجرٍ جميل، ولا تأديبٍ، ولا بنصحِ من سعى في التقريب بين الزوجين من أهلها أو غيرهم، التسريحُ بإحسانٍ وهو آخر العلاج، والواجب التأدب بآدابه وفقهُ أحكامِه وآدابِه.