قراءة: حنان بنت عبد العزيز آل سيف بنت الأعشى
(1444هـ- 2023م)
سعد بن محمد السعد
تقديم: أ.د عبد الله بن محمد الغذامي
غازي بن عبد الرحمن القصيبي حزم ورحمة، قدوم وإحجام، هيبة وتواضع، شدة وشفقة، صرامة وحنان.
أديب البلاط السعودي الحديث بلا منازع، ورجل من رجالاته، وحينما يلقى على مسامعك اسمه تقفز بك ذاكرتك إلى مشاهير الرواد في السياسة والدبلوماسية والسفارة والاقتصاد والاجتماع والتاريخ والإدارة والأدب والشعر، علامة فارقة في تاريخ المملكة العربية السعودية، سجل حافل لا نقول بالإنجازات بل نقول: وثيقة خطيرة ذات شأن في النجاحات.
أول شخصية سعودية عربية تجمع بين شتات وخبايا- وقد يجمع الله الشتيتين، جمع بين كتمان السياسة وسريتها وبين الأسلوب الشعري العذب المكلل بالصراحة والتعبير والإفصاح الجميل عن طيات الصدور، وعذبات الذات، غير أن سمات العبقرية في شخصية رجل الأمة ووزيرها وأديبها وشاعرها وروائيها وقصاصها وظفت هذا التناقض العكسي العجيب، وبدا ذلك في تلوينه لكلماته وتصريحه بآرائه الإدارية المنقطعة النظير يقول: (افتح المجال أمام الآخرين، وسوف يذهلك ما تراه من منجزاتهم) وبين ناظريك كتاب رشيق أنيق للدكتور الأديب الشاعر الشيخ سعد بن محمد السعد- أمد الله الأدب ومجده بطول سؤدده- آمين. فيه يحكي قصته مع القصيبي وأعظم ملامح العظمة فيها، وقد كان الكاتب فيها شاعرًا محاورًا لبقًا، يفك الطلاسم، ويعرف مداخل القصد ومخارج القصيد يقول: (وحين أنشر بكل تواضع الرسائل والقصائد والمواقف التي تمت بين الدكتور غازي القصيبي -رحمه الله- وبيني، فإني أدرك قبل غيري أنني لست ندًا لفارس من فرسان الكلمة وأساطينها وشاعر كبير، وضعه بعض النقاد في صف المتنبي، ولذلك فإنه لا يمكن -بطبيعة الحال- المقارنة بين ما كتبه لي -رحمه الله- وما كتبته له، من جميع الوجوه).
والكتاب المقروء عزيزي القارئ يسم قصة الترافق، ويرسم تجربة التصادق بين المؤلف وبين رجل من رجالات الأدب السعودي النضير، وفيه تبينت ميول الكاتب والمكتوب عنه الأدبية، وبدت ميولاً حادة جادة ترجمتها قصائد الكتاب، وحواراته الشعرية، ورسائله التشويقية، وقد حيك الكتاب مرتين:
الأولى: وسماها (مع غازي القصيبي).
الثانية: وسماها (غازي القصيبي مرة أخرى).
يقول المؤلف: (دارت بيني وبين معاليه بعض المراسلات الشعرية والنثرية العفوية والتلقائية التي تكونت لدى بعض الذكريات عن تلك العلاقة، وخاصة وفيها ما هو حكايات وأسرار) ويقول أيضًا: (حين كتبنا هو وأنا تلك القصائد والرسائل كانت من «الإخوانيات» ولم نكن نتطلع إلى نشرها إلا أن هذا الهاجس خطر لي قبيل مرضه -رحمه الله- وأرسلت لمعاليه أنموذجًا لمعرفة رأيه والاستنارة بتوجيهه فشجع وأيد كعادته).
ويبدو القصيبي في هذا الكتاب فحلاً عربيًا سعوديًا مؤصلاً أليس هو المفتخر بنفسه وأبناء جلدته حينما عزم على أيقونة الشعر: (نحن الحجاز).
كما يرسم لنا الكتاب قصة ثقافية دارت بين اثنين في تناغم عجيب لافت ينجلي هذا في نماذج الكتاب من قصد وقصيد ونظم ونشيد وفي رسائله التي رسمت حدود هذه القصة بطرز مشوق شُكلت وتشكلت سماته بالعذوبة والجمال، والكتاب يقدم نفسه ولم يقدم له أحد إلا رجلاً من قادة الفكر وأعلام الثقافة وهو د. عبدالله بن محمد الغذامي -حفظه الله- وها هو دونك فأدر طرفك فيه -إن شئت- ويكفيك دليلا على نفاسته قول مؤلفه (سعدت بمعرفة معالي د. غازي -رحمه الله- أثناء عملي في مركز الدعوة والإرشاد السابق بمملكة البحرين الشقيقة، التابع لرئاسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، وتعرفت من كثب على معاليه، وحين كتب أحد مرؤوسيه في البعثة السعودية الدبلوماسية في البحرين، استمرت صلتي به حتى وفاته) وقد وصفها معالي الأستاذ الفاضل طلعت بن إبراهيم المسلماني (وزير مفوض) حيث قال: (لو أردت التحدث عن صفات هذا الرجل العملاق في ثقافته وأدبه وعمله وفي أخلاقه...
فقد نحتاج إلى مجلدات... كان رجل دولة بمعنى الكلمة، ومن صناع القرار داخل الحكومة السعودية -أيدها الله- خلال توليه لعدد من المناصب... وما لمسته من خلال عملي تحت رئاسته لمدة 17 عامًا، سبعة أعوام في البحرين، وعشرة أعوام في لندن، فقد كان إنسانًا عظيمًا واعتقد أنه غني عن التعريف) هذا ولم تكن هذه الرسائل بين المؤلف والمؤلف عنه بارزة على سجال أو معارضة بل ولم يكن الهدف منها الحيازة والمنافسة وإظهار التفوق على الآخر، وإنما (انثالث القصائد بيننا على نحو أشبه بالتواصل الشعري بيننا على هيئة رسائل شعرية كانت القصيدة فيها صلة رحم بيننا).
ويكفيك الدليل على نفاسة الكتاب أنه مكتوب بشهادة الآخرين عن أبي سهيل -عليه رحمة الله- يقول عنه: (كان -رحمه الله- أحد الأعلام والرموز الثقافية الإدارية الفاعلة في المجتمع السعودي طيلة العقود الخمسة الماضية، ومن الواضح أنه سيحتل مكانة متقدمة في قائمة عظماء المملكة في تاريخها الحديث، ومن المرجح أن ذلك الطير المغرد دائمًا خارج السرب، سيبقى هو الأكثر تأثيرًا وإلهامًا لجيل من الشباب الذين ترعرعوا في مناخ سياسي واجتماعي وثقافي كان غازي حاضرًا في كل منعطفاته ومحطاته).
وجاء الكتاب سموأل الوفاء فقد أجزل المؤلف -حفظه الله- لكل من قدم له العون والمساعدة في إخراج الكتاب: أولهم الأديب الكبير الغني عن التعريف وهو الأستاذ الدكتور عبد الله بن محمد الغذامي - حفظه الله - فقد ضُم بين بردتي المقدمة كنوز وجواهر ونفائس خلقت من الكتاب مشلحًا شعريًا جميلًا أهداه أبو فراس الحمداني لقريبه وصنو قرابته سيف الدولة الحمداني وقد وصف الغذامي الكتاب بأنه نعناع المدينة وتمرها
وشكر ابن المؤلف عنه سهيلًا -زاده الله برًا، وابنة مؤلف الكتاب زادهما الله علمًا- المسماة بإيمان، كما شكر أربعة أفذاذ وهم: الأستاذ الوزير المفوض عبدالعزيز بن عبدالله الزاهد، والأستاذ طلعت بن إبراهيم أبو الحسن المسلماني وهو وزير مفوض أيضًا، والأستاذ هزاع بن جماس سلطان العاصي مستشار ومشرف سابق على مكتب وزير العمل. والباحث الناهض النضير الأستاذ أحمد بن عبدالمحسن العساف. واعتذر المؤلف عن الباقيس فالقصد إشارة لا إطالة.
وبدت تضاريس الكتاب راسخة كالجبل، عميقة كالبحر، متطاولة كالسماء وتقع في أربعة فصول:
الأول: يرسم قصة الصداقة بين الرفيقين ومباحث علمية أدبية أخرى.
الثاني: المساجلات الشعرية وضم (11) قصيدة مطربة.
الثالث: المراسلات النثرية وضم (14) رسالة.
الرابع: عنوان لم يقل وشاهد وهو معني بأقوال القصيبي الفلسفية، وما قاله الآخرون حينما أدلوا في بحره بدلائهم.
وختامًا الخاتمة، وجاءت بعدها الكتب المنوط بها في البحث وهي تتفرع إلى ثلاثة فروع: مصادر ومراجع ومقالات، ولا تسلني أيها القارئ الكريم عن المشاعر المتبادلة بين الطرفين، فقد كانت عاطفة الوجد، وهاجس العاطفة الصدوق على أشدها بين كل منهما، والحديث إن خرج من قلب متيم استقر في سويداء القلوب، وإن كان من غيره لم يطرب إلا الآذان، وقد تجلت العاطفة بينهما وماز حسها العاطفي، واشتغل صخبها في القصيدة الثالثة، وفيها يقول المؤلف:
أبا سهيل عدت يا مرحبًا
بعد انشغال أنفس وقلوب
حييت ياخدن الوفاء من أخ
يشتاقه الكل ففيم الهروب؟
ينوب عن قوم إذا ما أتى
وليس فيهم إن يغب من ينوب
أبا سهيل كيف أيامكم
بعد زوال الشر بعد الحروب
هل كتب الهم على شاعر
الشعر عن أجوائه لا يتوب؟
حينًا تعاني لاهبًا عاصفًا
يحرق الروح، دخلًا غضوب
ومرة تنال من ظالم
أفعاله تئن منها شعوب
ويسترسل أبو سهيل في عاطفة جياشة تخالها نفثة صدر، فيقول رحمه الله:
يا سعد قد هيجت شوق القلوب
برائع الشعر وشجو الندوب
والشعر يا سعد رسول الإخا
أقسم عن عهد الإخا لا يتوب
والشعر يا سعد خفيف الرؤى
وبسمة الفجر ونفح الطيوب
والشعر يا سعد رقيق الندى
يمسح بالطهر سواد الذنوب
وقدم المؤلف لهذه القصيدة بقوله: (هي رد على قصيدتي «أبا سهيل عدت يا مرحبًا» التي كتبتها بمناسبة عودته وهي من أجمل وأمتع قصائده فيما اعتقد -رحمه الله-) وكان القصيبي يستحسن بعض القصائد ويطلب سماعها من المؤلف بين ردهة زمن وأخرى، حيث قال ناسج الكتاب بل قد (سمعها مني الشاعر الكبير حسن بن عبدالله القرشي -رحمه الله-.
ما بي فدتك النفس إلا هواك
قد شفني لم يبق مني حراك
وقد وصف الآخرون مثل الوزير طلعت إبراهيم المسلماني هذه العاطفة: (كان الشيخ سعد السعد الأكثر تواصلًا معه، لما للشيخ سعد السعد من إمكانات أدبية وشعرية متميزة، فكان التواصل مستمرًا وكان رحمه الله يكن للشيخ سعد السعد (أبي عمر) كل محبته وتقديره لما يتمتع به الدكتور سعد السعد من طيبة وأدب).
ومراسم الكتاب تحكي كل مظاهر العاطفة الجياشة المشتعلة الأوار بين الطرفين، وقد تجلت في القصائد الشعرية، والرسائل النثرية بتصنيفاتها المختلفة سواء أكانت نقدية انطباعية أو وجدانية عذبة والصور التذكارية التي أسهمت في حياكة هذه المشاعر - إن صح التعبير- ورسم خط القلم عند كل منهما واجتماعهما في سمة الجمال والحلاوة والتنظيم والترتيب والنضج والعمق، وكان المؤلف -سلمه الله- يسوق القصيدة الشعرية، والرسالة النثرية ثم يردفها بخط رقعي جميل حباها جمالًا على جمال، ومازها بهاءً على بهاء. وجمال الخط يجلو الناظر ويمتع الخاطر وهو أحد الفصاحتين يقول المؤلف عن أحد الخطابات (وقد أرسله إلي مطبوعًا، لإني أرسلت إليه خطابي مطبوعًا أيضًا) وذلك لأن أدب القصيبي حسم وهو يسير مع محدثيه ومحاوريه حذو القذة بالقذة، كما لا يفتك أيها الحصيف مبلغ ما أضفته خطوط الرسائل ورسمها في توثيق لها، وإسهام في نفاستها حيث زود الكتاب بصور معظم القصائد والمراسلات بين المحبوبين.
كما حظيت بينهما إهداءات الكتب وهي مشيرة إلى صفة سريعة يقسم بها مؤلف الكتاب ولم تخف على القصيبي فقد مازها والتقطها بعدسته المجهرية وقد جاءت في رسالة القصيبي الثالثة والتي يقول فيها -أبو سهيل-: (أشكرك على رسالتك الرقيقة وملاحظاتك التي تشير إلى أنك قارئ ممتاز وسريع).
ونوعية الكتب المهداة ترسم عراقة الفكر بين الطرفين وهي تعالج فكرًا أدبيًا معينًا أو قضية مطروحة سياسية أو فقهية أو معركة فكرية قائمةـ ومنها ما هو لتزجية الوقت، وامتاع الخاطر وإيناس النفس، حيث إن كليهما ينهل العلم من مكمنه، فقد أهداه المؤلف: (تفسير القرآن للإمام ابن المنذر النيسابوري)، فكتب القصيبي رادًا شاكرًا بقوله: (أشكركم على إهداءاتكم القيمة، وأثمن لكم مشاعركم الصادقة، متمنيًا لكم دوام التقدم والسداد). وفي الكتاب ظهرت قدرة المؤلف البارعة على الوصف بأبيات شعرية سهلة ممتعة أخاذة واعرة سمعك ليصب في ذائقتك الشهد الآتي:
أبا سهيل كيف لو أبصرت
عيناك ما أبصرت عند الغروب
لرعت والرحمن من شادن
يهوي نسيم الليل يخشى الهبوب
ورمده تضن لا تنثني
لو كان سقياها دماء القلوب
إذا بدت للعين ريمية
نهابة عجابة لا لعوب
دعوت ربى أن يقيها الردى
فلا تلاقي في الحياة الكروب
وإن تفاجأت بحسن بدا
سبحت رب البيت حتى أؤوب
أعدوا وادعوا الله ألا ترى
سوءًا وأن يمحوا عنها الذنوب
ولا تفتك أيها الحصيف الطرافة فقد كان القصيبي ساخرًا ممتعًا خفيف الظل في حكايا (أبو شلاخ البرمائي) بصورة واضحة، وكان أبو سهيل يتندر من ضخامة جسمه يقول: (كان خفيف الظل، خفيف الروح، وهو من القلائل الذين لم تؤثر أوزانهم على خفة أرواحهم، وبهذه المناسبة فإنه يعجبه بيت الشريف الرضي:
ليبك الزمان عليك طويلًا
فقد كنت خفة روح الزمان
ويعلق رحمه الله على هذا البيت قائلًا «عندما نقول عن إنسان إنه «خفيف الظل» «خفيف الروح» حسب التعبير الدارج فإننا نختصر في هاتين الكلمتين العدد من المعاني نقصد أننا نشتاق لهذا الإنسان عندما يغيب، ولا نمل صحبته عندما يحضر، ونقصد أنه يتمتع بحس دعابة متطور ونقصد أنه سمح ودود كريم» وكذلك كان معاليه).
ولا يتركك الكتاب دون أن يطرب مسمعك بقصيدة من أبرز قصائد الكتاب الطريفة القصيدة الثامنة ودارت فيها رحى الحوار بين القصيبي وبين المؤلف على النسق التالي، يقول ناسج الكتاب: (كتبها رحمه الله عندما دعوته لحضور حفل زواجي الثاني يعتذر فيها عن حضور مثل هذه الزيجات الثانية، خوفًا من زوجته كما يقول، ومبديًا لي بعض ما ستؤول إليه أمور المعدد، عادة، وبعض النصائح، وقد أرسلها لي بالفاكس من لندن ونشرت بالشرق الأوسط:
يا سعد إنك اتخذت قرارًا
منه يفر العاقلون فرارًا
أتريد مني أن أجيء مهنئًا
هذا انتحار من يريد النارا
لي زوجة لو أنني فكرت في
شيء كهذا اغتالت الأفكارا
إني أظنك قد وقعت بمأزق
ودخلت فيه طائعًا مختارًا
ستروح بين الزوجتين فريسة
وتظل ليلًا لاهثًا ونهارًا
وقد حظيت القصيدة بالنشر في صحيفة الشرق الأوسط كما نص المؤلف -رعاه الله- على ذلك، كما كتب عنها كاتب فاضل وهو الأستاذ خالد القشطيني.
هذا وقد تيم الشعر أبا سهيل، وجاء في مخيلته ساميًا واصلًا رحم الأدب.
والقصيبي والسعد قد تضلع كل واحد منهما بضلاعة كتب الأدب، ومؤلفات الشعر المؤصلة، فهما يشنفان الأسماع، ويطربان الآذان، بشوارد شعرية مقتبسة من فحول الشعراء كجرير وابن دريد والشريف الرضي وأبي ذؤيب الهذلي، حيث يقول الأستاذ الفاضل أحمد بن عبد المحسن العساف في مدونته النضيرة: (جاءت شواهد هذه الفطرة في أعمال وكلمات وأبيات من الشعر كأنها شعر أبي العتاهية) ولي وقفة عند رثاءين: الأولى رثاء القصيبي لحبر الأمة الراحل: عبدالعزيز ابن باز -رحمه الله- فقد أورده لأنه من النماذج النثرية المتألقة والثاني: رثاء المؤلف لأمه حينما أصابها داء الزهايمر. وقد أحسن حينما سار على قول أبي الطيب المتنبي:
طوى الجزيرة حتى جاءني خبر
فزعت فيه بآمالي إلى الكذب
حتى إذا لم يدع لي صدقه أملًا
شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي
والكتاب إن قلت رائع فأنا مقصرة، وإن قلت ماتع فأنا منقصة، فقد نشر حقائق عن القصيبي كانت شبه مطوية، منها: أن آخر عمل فكري لأبي سهيل هو تفسير القرآن الكريم وقد شهد به علمان فكريان بارزان: أولهما: الوزير والأديب الراحل الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر- عليه وابل الرحمة والغفران - وكان ذلك ثمة رثائية له.
ثانيهما: الأديب الطلعة الناهض حمد بن عبدالله القاضي في رثائه لصنوه وبلديه القصيبي، الصادر بتاريخ الأربعاء 8 رمضان عام 1431هـ في صحيفة الجزيرة عدد 38 8 13 وهو يحمل عنوانًا حزينًا: (غازي القصيبي طبت حيًا وميتًا)، ويقول القاضي في توثيقه للكتاب: (رجع إلى عشرات التفاسير وكان أكثر تفسير شده هو تفسير القرآن الكريم للشيخ عبدالرحمن السعدي -رحمهما الله جميعًا- وأرجو أن يصدر هذا السفر الجليل).
ومنها: أن أعمال القصيبي خيرية، وقد عرف بنزاهة اليد، فرحل وهو لا يملك بيتًا، بل كان يقطن منزلًا مستأجرًا. ومنها أيضًا: أن أبا سهيل كان مترجمًا لغويًا بارعًا.
وأخرها: أنه كان يكتب وصيته الأدبية ومعاناته مع المرض في روايته القصيرة (الزهايمر).
والسؤال الخاطر..
هل بلغ القصيبي كل ما يتمناه جاء في لقاء صحفي معه قوله: (لقد بلغت كل ما يمكن لإنسان مثلي أن يبلغه من مجد في هذه الحياة، ولم يعد هناك ما أتطلع إليه سوى الباقيات الصالحات) وهو القائل شعرًا:
يا ربي ويلي من يوم جمعت له
شتى الذنوب ويلقى الناس ما جمعوا
أتخمت من زهرة الدنيا وزخرفها
ولم يعد بسوى آخراك لي طمع
هذا وقد أشار الكتاب إلى تحفة القصيبي الثلوثية وما دار وجرى في حلبتها من حديث رجال بلغاء، وشعر أدباء نبهاء، وقد تحدث عنها المتحدثون كالوزير عبدالعزيز الزاهد، والمستشار طلعت المسلماني وغيرهما.
وروائع الكتاب كثيرة وهي تستقطب منك وقفات ملهمة، وقد اتفق الكاتب والمكتوب عنه في الذوق والميول والسليقة حيث وافق شن طبقه فلله درهما.
بلغ الله القصيبي الفراديس العاليات، وأسبغ الله في جدثه الرحمات، وأضفى عليه وافر الباقيات الصالحات.
عليك سلام الله قيس بن عاصم
ورحمته ما شاء أن يترحما
تحية من ألبسته منك نعمة
إذا زار عن شحطٍ بلادك سلما
فما كان قيس هلكه هلك واحد
ولكنه بنيان قومٍ تهدما
** **
- عنوان التواصل: hanan.alsaif@hotmail.com