تدريس النحو أو القواعد بتفاصيله المملّة في المراحل الثانوية يمثل إشكالية كبيرة؛ فلقد ركزت المناهج عليه، ثم الأساتذة أكثر مما ينبغي، فلو كانت مسألة تعليم اللغة العربية في العالم العربي بيدي لعدلت قضايا النحو أو القواعد إلا النزر اليسير، فليس من واجبات الطلاب أن يتعلموا القواعد والنحو التفصيلي وغير الوظيفي في المدارس، بل هو من لوازم معلم العربية والشريعة، و لا أظنُّ أن أحدا منا في مجاله العملي والمهني إلا إذا كان أستاذا للغة العربية يصادف من يقول له: أعربْ ما يلي، أعربْ ما تحته خط! إنما يُراد منك أن تتكلم كلاما سليما، وتعبّر تعبيرا صحيا، وتقرأ قراءة صحيحة...!
نحن -مع الأسف- نعلمهم أشياءَ لا علاقة لها بالحياة بتعليمهم مسائل النحو والصرف التفصيلية والدقيقة، والصعبة جدا، بل صار النحو رُعبا لهم وهولا...!! فلا همْ حفظوا قواعد النحو ولا عصموا ألسنتهم من الخطأ، ولا استطاعوا التحدث بها، ولا الكتابة ولا التعبير الوظيفي والأدبي...!
وغاب عن أذهانهم أن أهداف تدريس قواعد اللغة العربية التي تتحقق من تدريسها هي:
1- عصمة الألسن من الخطأ في الكلام، وصون الأقلام من الزلل في الكتابة، وهو من الأهداف المهمة التي دعت العرب إلى وضع قواعد اللغة العربية.
2- تعويد الطلبة على التفكير للنظم، والتقويم والملاحظة، وتدريبهم على الموازنة، وتربية ملكات الاستنباط والحكم والتعليل.
3-زيادة الثروة اللغوية والأدبية عن طريق الأمثلة المتنوعة في تدريس قواعد اللغة العربية، فيكون الأسلوب جميلاً ومؤثراً، ومساعدة المتعلمين على فهم المقصود من الكلام البليغ.
5- تمكين الطالب من القراءة والكتابة والحديث خالية من أخطاء اللغة، وذلك بتعويدهم الدقيق في صياغة الأساليب والتراكيب السليمة والتعبير الصحيح.
6- معرفة بعض أدوات اللغة والمعاني التي تستعمل لها.
7-التمييز بين الصواب والخطأ ومراعاة العلاقات بين التراكيب عن طريق التحليل والتذوق.
ثمّةَ مشكلات كثيرة تَحُول بين دراسة النحو وبين إتقانه، يمكن أن نعرج عليها، منها:
1. ما هو متعلق بالضَّعف العام في اللغة العربية في المجتمع العربي؛ بسبب اختلاف اللغة المنطوقة في حياة الناس عن اللغة المكتوبة، واعتيادهم على اللغة المنطوقة، فيَنشأ «اللحن» في اللغة حين يريدون التحدث أو الكتابة بالعربية الفصيحة.. وأن المتعلمين العرب بصفة عامة لا يتعلمون لغتهم كما يتعلم المتعلمون في أمم لغتهم، «هم لا يسمعونها في البيت، وهم لا يسمعونها في البيئة التي تحيط بهم، ثم هم لا يسمعونها في المدرسة إلا أثناء درس اللغة العربية» (أمين الخولي، 1961، صفحة 32).
2. ومنها ضَعف مُدرِّسي اللغة العربية، وعدم تمكُّنهم من النحو العربي، ومن تمرير هذا العلم بفعَّالية إلى تلاميذهم، وذلك يَنتج أحيانًا من ممارسة وظيفة معلم اللغة العربية بهدف طلب الرزق، أكثر مما هو إرادة ومحبَّة في رفْع مستوى هذه اللغة في واقع المجتمع العربي.
3. المشكلة الرئيسة الأخرى تكمُن في طريقة تدريس النحو العربي في المدارس، التي تركِّز أساسًا على إتقان الإعراب، واستظهار القواعد النحوية وحفظها غيبًا... وليس النحو الوظيفي...!
وتتمثَّل مظاهر تلك الصعوبة في الجوانب الآتية:
1- كثرة ما في القواعد من أقوال ومماحكات، واختلاف مسائلها، واعتمادها على التحليل المنطقي، الذي يستدعي حصْر الفكر لاستنباط الأحكام العامة من أمثلة كثيرة متنوعة؛ فجعل علماء التربية ينادون بتأخير دراسة القواعد إلى سنِّ المراهقة. هذا فضلًا عن «كثرة الآراء المتباينة والأوجه المختلفة للنَّحْويين ومدارسهم، وكثرة التأويلات الافتراضية» (السليطي ظبية سعيد، 2018، صفحة 399)، كل ذلك أسهم في نفور المتعلمين من الدرس النحوي.
وتدريس النحو لا يعلم الناشئة العربية أبدا والدليل آلاف من خريجي الثانوية والجامعات لا يحفظون بيت شعر، ولا معاني كلمات ولا يركّبون جملة مفيدة، ولا يتحدثون حديثا سليما مثل اللغة الانجليزية يدرسون من الابتدائية حتى الإعدادية أو الثانوية وهو لا يستطيع أن يتحدث بجملة سليمة...!
ما الذي يستفيد الطالب حينما تحدثه عن الضمائر وتفاصيلها، بل من الظلم أن تطالبه وهو في الصف الأول المتوسط ...يعني ما زال في عقل الابتدائية تطالبه بالضمير المستتر وجوبا والضمير المستتر جوازا...!؟
وما الذي يستفيد من هذا الحكم في حياته اليومية أو في المراحل القادمة وتدرسه أبواب الفعل الخمسة فتح ضم فتح كسر فتحتين...؟!
وما الذي يستفيد منه الطالب حينما تعلمه دقائق النحو وتفاصيله، وهذه لا يحتاجها إلا طالب اللغة العربية أو مدرس اللغة العربية، وقد تعد من الترف العلمي أو من الفلسفة اللغوية حتى حينما تحدثه عن الحذف، والتقديم جوازا ووجوبا...؟ الطالب في الثانوية لا يدرك هذه المسائل ولا يحتاجها، فصار النحو يقدم ظلامته على معلمي العربية في كل المراحل...؟! وظلمَ كثيرٌ منهم أنفسهم بتنفير الطلاب من النحو العربي حتى قالوا: نحن نكره النحو.... نكره العربية...!
2- ومن الدواهي من المعلمين في كل المراحل حتى الجامعة من يدّرس النحو باللهجة العامية وهذا من العقوق بمكان ...!! كيف يدرس النحو وهو لم يعصم لسانه؟
النحوُ يبسطُ مِن لسانِ الألْكَنِ
والمرء تُعْظِمُه إذا لم يَلْحَنِ
كما قال إسحاق بن خلف المعروف بابن الطبيب.
كيف يدرّس النحو ولسانه أعوج لا يستطيع أن يركب جملة سليمة... انظر واستمع مقاطع مرئية على الشيخ غوغل وسترى العجب العجاب...!! أيُّ نحو هذا.؟ أيُّ لغة هذه؟!
3- تعليمه أحكاما بعيدة عن واقع الحياة العملية التي يعيشها التلاميذ، وهمُّه التدقيق في الجمل والتراكيب اللغوية؛ لمعرفة موقع الكلمة من الإعراب وضبْط الحركات.
4- إذ يتم تدريسهم النحو «بطريقة جافة». وكثرة العوامل النحْوية، وتشعُّب التفاصيل التي تَندرج تحت هذه القواعد، وتُزاحمها بحيث لا تُساعد على تثبيت المفاهيم في أذهان التلاميذ، بل إلى تشتيتها ونسيانها؛ وذلك لتجرُّدها وبُعدها عن واقع الحياة التي يَحياها التلاميذ. وفي هذا السياق يقول الخليل بن أحمد الفراهيدي مبينًا مشقة تعلم النحو: «لا يصل أحد من علم النحو إلى ما يحتاج إليه حتى يتعلم ما لا يحتاج إليه» (الجاحظ، 1965، الصفحات 37-38).
5- غياب الفهم العميق للمفاهيم النحوية، إذ غالبًا ما يتم تدريس القواعد كمواد نظرية تُحفظ دون ربطها بسياقات عملية حقيقية. وبالتالي، فإن النجاح في تدريس النحو يتطلب تغيير منهجية التعليم لتصبح أكثر تفاعلية وإبداعية، مع توظيف استراتيجيات تعليمية فعّالة تساعد الطلاب على فهم كيفية استخدام قواعد النحو بشكل طبيعي وسلس.
وفي إطار ذلك برز عدد من الباحثين واللغوين المجددين للدرس النحوي، والذين سعوا إلى إزالة هذا الحاجز بين المتعلمين وبين الدرس النحوي، يقول في هذا الصدد إبراهيم مصطفى- أحد المجددين-: «أطمع أن أغير منهج البحث النحوي، وأن أرفع عن المتعلمين إصر هذا النحو، وأبدلهم منه أصولًا سهلة يسيرة، تقربهم من العربية، وتهديهم إلى حظ من الفقه بأساليبها» (إبراهيم مصطفى، 2014، صفحة 13).
الأساليب الفعالة في تدريس النحو:
يقدم الباحثون العديد من الأساليب الفعالة في تدريس النحو، التي يمكن أن تساعد الطلاب على فهم القواعد واستخدامها بشكل أفضل. إليك بعض هذه الأساليب:
1) التعلم النشط: تشجيع المشاركة الفعّالة للطلاب من خلال النقاشات، والأنشطة الجماعية، والألعاب التعليمية.
2) التطبيق العملي: استخدام النصوص الأدبية والمقالات لشرح القواعد النحوية، ثم طلب من الطلاب تحليل هذه النصوص وتطبيق القواعد عليها.
3) استخدام التكنولوجيا: الاستفادة من التطبيقات التعليمية والمواقع الإلكترونية التي تُقدّم تمارين تفاعلية في النحو.
4) الربط بسياقات الحياة اليومية: إظهار كيف يمكن استخدام القواعد النحوية في مواقف حياتية حقيقية، فيساعد على تصوّر الفائدة من تعلم النحو.
5) توسيع الشرح: تقديم شروحات مبسطة للقواعد مع أمثلة متنوعة، فيساعد على فهم العلاقات بين المفاهيم النحوية.
6) التدريب المتكرّر: توفير تمارين مستمرة ومتنوعة عن القواعد، مما يعزز من تذكر الطلاب لها.
7) التقويم المستمر: تقديم اختبارات قصيرة تعكس فهم الطلاب للقواعد، فيشجعهم على المراجعة والتعلم.
8) التغذية الراجعة: توفير ملاحظات بناءة بعد الاختبارات أو الأنشطة، لمساعدة الطلاب على تصحيح أخطائهم وفهم الموضوعات بشكل أعمق.
وأخيرا ظهور محاولات لإصلاح النحو، كما في أسماء عشرات المصنفات العربية التي جاءت بعنوان اختصار النحو، محاولة منها لتخليصه من عيب «التطويل» الذي يعتد أحد عيوب النحو. ومنها: (مقدمة في النحو) لخلف الأحمر، و(مختصر في النحو) للكسائي، و(مختصر النحو) لأبي موسى الحامض، و(الموجز) لابن الخياط، و(الجمل) للزجاجي، و(التفاحة في النحو) لأبي جعفر النحاس، وهو من أكثر المصنفات الدالة على ضرورة الاختصار في علم النحو، وتقديمه بأسهل الطرق، وكان من أفضل الكتب في هذا السياق.
الحلول في نظري:
1) أن نُغمسهم في القراءة، وأن نغمرهم باللغة العربية من كل جانب ثقافة وعلما وفكرا، والنحو يأتي بالسليقة والدُّربة، وقراءة النصوص قراءة سليمة، ثم حفظها، فيتقوى لسان المتعلم، وتزداد ثروته اللغوية، وتراكيبه اللغوية ؛ كما يقول ابن خلدون: «وتعلم مما قرَّرناه في هذا الباب، أن حصول مَلكة اللسان العربي، إنما هو بكثرة الحفظ من كلام العرب، حتى يَرتسم في خياله المنوال الذي نسَجوا عليه تراكيبهم، فيَنسج هو عليه، ويَتنزَّل بذلك منزلة من نشَأ معهم وخالَط عباراتهم في كلامهم، حتى حصَلت له الملكة المستقرة في العبارة عن المقاصد على نحو كلامهم، والله مقدِّر الأمور»[ ابن خلدون؛ مقدمة ابن خلدون، 718.].
2) ممار سة المحادثة والتدريب بتلك اللغة الجميلة الخلابة في الصف والمدرسة والشارع والجامعة...
3) حثهم على كتابة ما يقرؤون وما يحفظون والاعتناء بالإملاء والكتابة السليمة والتعبير الصحيح.
4) تفعيل درس المطالعة والنصوص واختيار النصوص الجميلة الجذابة.. و
5) تفعيل درس الأناشيد الذي اندثر تماما...!
6) الاهتمام بدرس التعبير الأدبي أو الإنشاء كثيرا.
7) التخفيف من الأحكام النحوية وعدم الدخول في تفاصيلها ودقائقها... فما تحتاجه القواعد اللغوية هو التنظيم والتنسيق، وعرض المادة في أسلوب عصري يخلو مما لا حاجة بطلاب العلم به، من التفصيلات والتفريعات والتعليلات، ثم إعادة النظر في قواعد اللغة، والاستغناء عما لا يفيد منها، من خلال ربط قواعد اللغة بالواقع المعايش، بدور فعّال للأسرة ووسائل الإعلام.
8) تبني المؤسسات التربوية منهجا جديدا يتضمن تلك المقترحات..
**__**__**__**__**
قائمة المصادر والمراجع:
1) إبراهيم مصطفى، إحياء النحو، مؤسسة هنداوي للثقافة، القاهرة، 2014م.
2) ابن خلدون، عبد الرحمن؛ مقدمة ابن خلدون، القاهرة: دار الفجر،200.
3) • أمين الخولي، مناهج تجديد في النحو والبلاغة والتفسير والأدب، دار المعرفة، ط1، 1961م.
4) سعد عبد الله مقداد، نظرات في تجديد النحو العربي على يد علماء التجديد العرب في النصف الثاني من القرن العشرين، المجلة الأردنية للعلوم التطبيقية، جامعة العلوم التطبيقية الخاصة، عمان، الأردن، 2017م.
5) السليطي ظبية سعيد، صعوبات تعليم القواعد النحوية وتعلمها في المرحلة الابتدائية بقطر (تشخيصها وعلاجها)، مجلة كلية التربية، جامعة الأزهر، العدد 180/ 2، أكتوبر 2018م.
6) عبد الحميد حسن، القواعد النحوية مادتها وطريقتها، مكتبة الأنجلو المصرية، ط2، 1952م
7) عبده الراجحي، التطبيق النحوي، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، ط2، 1998م.
8) محمد حماسة عبد اللطيف، النحو والدلالة: مدخل لدراسة المعنى النحوي الدلالي، دار الشروق، القاهرة، ط1، 2000م.
** **
د. أيوب جرجيس العطية - العراق