خالد محمد الدوس
ولد عالم الاجتماع الأمريكي من أصل إفريقي والمفكر «ويليام إدوارد دو بوا» عام 1868في جريت بارينجتون بولاية ماسا تشوستس الأمريكية وكان معظم سكانها من البيض من أصل إنجليزي وهولندية وكانت عائلة والدته من بين أقدم السكان في الوادي ترك والده الذي ولد في هايتي عائلته وكان «وليام دو بوا» طفلاً صغيراً وبعد بلوغه السن السادسة التحق بالتعليم العام حتى تخرّجه من المرحلة الثانوية في سن السادسة عشرة وكان الطالب الأسود الوحيد في ثانوية (جريت بارينجتون) لكنه كان طالباً لامعاً وبارعاً في عبقريته وكان خلاصة ذلك أن تخرَّج من الثانوية وهو من الطلاب الأوائل وبعد حصوله على شهادة الثانوية بعبقرية الزمان والمكان كان يطمح في دراسته الجامعية في أعرق الجامعات الأمريكية «جامعة هارفارد» المخضرمة التي تجاوز عمرها التأسيسي القرن الرابع..! ولكن كان العائق أن لم يكن يملك المال الكافي للدراسة في هذه الجامعة العريقة فاضطر وعلى مضض العمل في مجال البناء لكسب المال للدراسة وترجمة طموحه العالي غير أنه حصل على منحة للدراسة في (جامعة فيسك) وهي كلية تاريخية في ولاية تينيسي وبالفعل واصل تعليمه حتى نال شهادة البكالوريوس، ثم التحق دو بوا بجامعة هارفارد وتحقق حلمه بعد تفوقه في دراسته الجامعية، حيث درس التاريخ وعلم الاجتماع وتخرّج من الجامعة بحصوله على درجة الماجستير من هارفارد بتقدير امتياز عام 1890 ثم شد الرحال مواصل قطار تعليمية العالي سيره ولكن هذه المرة إلى ألمانيا فحصل على شهادة الدكتوراه عام 1895 وأصبح بالتالي أول طالب أمريكي من أصل إفريقي يحصل على شهادة الدكتوراه في أمريكا وكانت أطروحته العلمية في الدكتوراه حول قمع تجارة الرقيق الإفريقية إلى الولايات المتحدة الأمريكية (1638-1870) وبعد حصوله على الدكتوراه عمل في أستاذاً مساعداً في جامعة ويلبر فورس في أوهايو وبعد عامين قبل الزمالة في جامعة بنسلفانيا لإجراء مشروع بحثي في الأحياء الفقيرة في الحي السابع في فيلادلفيا مما سمح له بدارسة السود كنظام اجتماعي كان عازماً على التعلّم قدر استطاعته في محاولة لإيجاد علاج للتحيز والتمييز وتم نشر أعماله البحثية وقياساته الإحصائية وكانت هذه المرة الأولى التي يتم فيها اتباع هذا النهج العلمي لدراسة الظاهرة الاجتماعية عن التمييز والعنصرية ولهذا كان يلقب العالم الاجتماعي دو بوا (بوالد العلوم الاجتماعية) في زمانه نظراً لتناوله لعظم المشكلات الاجتماعية التي عانى منها المهاجرون في أمريكا، وكان من المؤسسين للجمعية الوطنية للنهوض بالملونين، وزعيماً في حركة الحقوق المدنية للسود في أمريكا وناشطاً في مجال السلام والذي عارض استخدام الأسلحة النووية وكان أحد الموقعين على تعهد ستوكهولم للسلام ثم انتقل للعمل الأكاديمي في جامعة أتلانتا العريقة في جورجيا وعمل لمدة ثلاث عشرة سنة وكانت اهتماماته تصب في ميدان المجتمع والتاريخ والفلسفة والأخلاق والتحضّر والتعليم والجريمة وتأثيرها على المجتمع الأسود وكان هدفه الرئيس هو تشجيع الإصلاح الاجتماعي والمساعدة فيه وأصبح دو بوا زعيماً فكرياً بارزاً للغاية وناشطاً في مجال الحقوق المدنية وحصل على لقب «أبو الوحدة الإفريقية» عام 1909، كم عمل مدير لمركز الأبحاث في جامعة أتلانتا، وفي عام 1910 شارك دو بوا في المؤتمر الوطني للزنوج، كما عمل رئيس تحرير المجلة العلمية الشهرية التي كانت تصدر من الجامعة وبلغت كتاباته ذروتها في صلب التخصص في مقالته بعنوان «جهود الزنوج» لمجلة أتلانتيك مو نثلي عام 1897 وكان أول كتاب رئيسي له بعنوان «زنجى فيلادلفيا» تضمن نظرة شاملة على حياة الأمريكيين السود في مدينة بنسلفانيا.
كما ألف العديد من الكتب وأبرزها كتاب «المياه المظلمة» الذي نشر عام 1920، وكتاب «غسق الفجر» الذي نشر 1940، وكتاب «السيرة الذاتية» الذي نشر بعد وفاته عام 1968، كما رشح لمنصب عضو مجلس الشيوخ عن نيويورك كجزء من حزب العمال الأمريكي التابع للاشتراكيين عام 1950، وفي عام 1959 وبعد أن أصبح كوامي نكروما رئيساً لغانا وجه له دعوة للمشاركة في استقلال الدولة الإفريقية، وقتها كان (دو بوا) قد سئم من الوضع آنذاك بعد حياة كاملة من مكافحة العنصرية المتفشية في الولايات المتحدة الأمريكية فهاجر إلى موطنه الأصلي (غانا) وقضى وقته يعمل في إفريقيا على مشروع «موسوعة الشعوب الإفريقية: ويصقل تحليلاته الاجتماعية وهو مشروع كان طويل الأجل حول الشتات الإفريقي فتدهورت حالته الصحية أثناء إقامته في غانا أكثر من ثلاثة أعوام مع تقدم سنه ووصوله إلى منتصف العقد التاسع من عمره.
توفي عالم الاجتماع والمفكر والناقد والمؤرِّخ «ويليام دو بوا» عام 1963 في العاصمة الغانية «أكرا» وكان عمره 95 سنة وقد كرمه الرئيس الغاني بجنازة رسمية بعد أن تنازل عن جنسيته الأمريكية وأصبح مواطناً غانياً عام 1961 . بعد أن وظَّف أبحاثه ومقالاته العلمية في دراسة المشكلات الاجتماعية للسود في الولايات المتحدة الأمريكية في القرن العشرين..!