الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
أكدت دراسة علمية ضرورة التوعية بخطورة الاعتداء على الأوقاف عبر وسائل الإعلام المتنوعة، وخطب الجمعة، وبيان العقوبات الرادعة لمن تسول له نفسه الاعتداء عليها، مع ضرورة الاهتمام بالمزيد من الأبحاث حول مسألة التعدي على الأوقاف وخاصة ما يستجد من حيل وأساليب متجددة.
وشددت الدراسة العلمية المعنونة بـ«الاعتداء على الأوقاف»، للباحث الشيخ إبراهيم بن محمد السماعيل: إن منع الاعتداء على الأوقاف لضمان دوام عطائها ونفعها يحتاج إلى إصدار منظومة متكاملة من الأنظمة والقوانين التي تحميها، مع ضرورة الاهتمام بالتنظيمات والتشريعات المتعلقة بالأوقاف ومراجعتها بشكل دوري وتجديدها وتطويرها لتواكب كل المستجدات في مجال الأوقاف.
نتائج الدراسة
أظهرت نتائج الدراسة العلمية أن حماية الأوقاف مسألة حيوية وقضية جوهرية يؤثر غيابها في مستقبل المجتمع، ويهدد وجودها ونفعها، كما أن قضية الاعتداء على الأوقاف قضية متجددة، تتشكل وتتنوع صورها وأساليبها مع تطور المجتمع وتغيره، مشيرة إلى أن نقص التوعية بخطورة الاعتداء على الأوقاف وعدم تناولها عبر وسائل الإعلام وخطب الجمعة وبيان خطورتها، ساهم في تساهل ضعيفي الإيمان في التعدي عليها.
وأبانت نتائج الدراسة تساهل الموقفين في مسألة توثيق الوقف وحسن صياغة الوثائق وإشهارها ساهم في تسهيل عمليات الاعتداء عليها، كما ساهم تأخر البت في بعض القضايا الخاصة بالأوقاف في المحاكم في تجرؤ ذوي الضمائر الضعيفة على الاعتداء على لأوقاف، مؤكدة أن عدم تكامل التشريعات والتنظيمات الخاصة بالأوقاف مكّن ذوي الضمائر الضعيفة من استغلال بعض الثغرات القانونية للاعتداء على الأوقاف.
جريمة عظيمة
وقال الباحث الشيخ إبراهيم بن محمد السماعيل: إن الاعتداء على أموال المسلمين العامة والخاصة جريمة كبيرة، جاءت الشريعة الإسلامية بالوعيد الشديد في الدنيا والآخرة لمن تجرأ على هذه الأموال بأي صورة من صور الاعتداء، وتبين قصة الغلام الذي أخذ شملة من الغنائم يوم خيبر لم تصبها المقاسم خطورة مثل هذه الاعتداءات، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى خيبر، ففتح الله علينا فلم نغنم ذهباً ولا ورقاً، غنمنا المتاع والطعام والثياب، ثم انطلقنا إلى الوادي، ومع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد له، وهبه له رجل من جذام يدعى رفاعة بن زيد من بني الضبيب، فلما نزلنا الوادي، قام عبد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحل رحله، فرُمي بسهم، فكان فيه حتفه، فقلنا: هنيئاً له الشهادة يا رسول الله، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كلا والذي نفس محمد بيده، إن الشملة لتلتهب عليه نارا أخذها من الغنائم يوم خيبر لم تصبها المقاسم، قال: ففزع الناس، فجاء رجل بشراك، أو شراكين فقال: يا رسول الله، أصبت يوم خيبر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: شراك من نار، أو شراكان من نار. رواه مسلم.
وأوضح إبراهيم السماعيل أن من أخطر صور الاعتداء على الأموال الاعتداء على الأوقاف والتي هي في ملك الله - عز وجل -، ولترهيب ضعاف الإيمان وزجرهم عن الاعتداء على أموال الأوقاف نجد أن غالب الوثائق الوقفية تختم بقوله تعالى: (فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ)، (البقرة: 181)، وذلك تخويفًا لضعاف النفوس من التلاعب بالأوقاف والاعتداء عليها وحرفها عن مسارها، كون مال الأوقاف مالاً محترماً أوقفه الواقفون قربة لله تعالى طلبًا للمثوبة والأجر، والاعتداء عليها بأي صورة من صور الاعتداء يمثل جريمة عظيمة وتعدياً على ملك الله - جل وعلا - وتجرؤاً على تشريعاته، وفيه اعتداء على حقوق الآخرين وحرف للأوقاف عن أهدافها التي رسمها الواقفون، وأكلٍ لأموال الناس بالباطل (وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)، (البقرة: 188)، وقد عَدّ العلماء بعض صور الاعتداء على الأوقاف نوع من تغيير الأرض الملعون فاعله في قوله - صلى الله عليه وسلم - (لعن الله من غَيَّر منار الأرض)، مشيراً إلى أنه للحيلولة دون تجرؤ البعض على الاعتداء على الأوقاف جاءت التشريعات والقوانين المتعلقة بحماية الأوقاف والرقابة عليها، لتشكل أرضية قانونية صلبة للأملاك الوقفية تجعلها في منأى عن أي اعتداء أو تطاول.