مكة المكرمة - خاص بـ«الجزيرة»:
أكدت متخصصة في العلوم الشرعية أن أصحاب الوجوه المتعددة يتمثلها المنافقون والنمامون في كل عصر، وهم يجدون من خلال ذلك فرصة للوقيعة بين الناس وإيذائهم بشتى الصور، مشيرة إلى أن الظالم القاهر والفاحش البذيء الذي هو متلبس بلباس وزي المرء الطيب الطاهر كم هو قهره؟ قهر لظلمه، بينما كان يتخفى بجمال قوله وصورته أمام الناس، قال عنهم الحبيب -صلى الله عليه وسلم - شرار الناس، وقال: تجد من شر الناس يوم القيامة عند الله ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه، نعم هم حقاً شرار الناس ونخرهم خطير وشرهم عظيم.
وقالت الدكتورة ابتسام بنت بدر الجابري أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى كيف يأمن من أمامه وهو ذو عدة أوجه؟! (والعياذ بالله) هو في منطقه وقوله تعجب لقوله، وفي هيئته وجسمه تعجب لجسمه (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ) (204) سورة البقرة، (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ) (4) سورة المنافقون.
وأضافت د. ابتسام الجابري قائلة: أشكالهم حسنة وذوو فصاحة وألسنة، فإذا سمعهم السامع يصغي إلى قولهم لبلاغتهم، قال الرسول - عليه الصلاة والسلام - عندما سئل (مَنْ شرُّ الناسِ؟ قال: ذُو الوجْهيْنِ، الَّذي يأتِي هؤلاءِ بوجْهٍ، وهؤلاءِ بوجْهٍ)، (شر الناس ذو الوجهين)؛ لأنه يظهر لأهل الباطل الرضا عنهم، ويظهر لأهل الحق مثل ذلك؛ ليرضي كل فريق منهم، ويبين أنه منهم، وهذِه المداهنة المحرمة على المؤمنين.
قال القاضي عياض - رحمه الله - وقوله: (مَن شر الناس ذو الوجهين): تقدم الكلام فيه، وهو بيِّنٌ، وهذا فيما ليس طريقه الإصلاح والخير، بل في الباطل والكذب، وتزيينه لكل طائفة عملها، وتقبيحه عند الأخرى، وذم كل واحدة عند الأخرى، بخلاف المداراة والإصلاح المرغب فيه، وإنما يأتي لكل طائفة بكلام فيه صلاح الأخرى، ويعتذر لكل واحدة عن الأخرى، وينقل لها الجميل عنها». انتهى. من «إكمال المعلم بفوائد مسلم» (8/ 76).
وشددت الدكتورة ابتسام الجابري القول: هؤلاء البشر ذوو الوجهين أمرهم خطير ومؤلم، أما خطره فهو لما يحاك من أذى وشر للمجتمع من أطراف لهم وجوه متعددة يتخفون بها ويتعبدون بها في إيذاء أهل الحق، وعلى مستوى آخر حين يغيب الصدق في جو الأسرة والمجتمع ويصبح أفراده يظهر بعضهم بوجه غير وجهه الحقيقي يتعذر التعامل بين الأطراف، ويحدث الخلل وتنتشر الشكوك والظنون الباطلة بين أفرادها، ويشتد إيلام هذا الأمر إذ يظن كل واحد منهم السلامة والنصح والصدق من هذا الآخر صاحب الأوجه المتعددة ويتعامل معه بالمصداقية والصفاء بينما هو كاره له وكائد.
فيبيت الأمر لا أمن ولا ثقة ولا محبة صادقة بل هي كراهية وأنانية محضة ومكائد تنتشر بين صفوف بعض الناس والعياذ بالله تعالى، ولا أدري كيف يأمن صاحب الأوجه المتعددة ذو الشر ألا يكون من أمامه مثيله ؟!
وتساءلت د. ابتسام الجابري في ختام حديثها قائلة: ألا يمكن أن ينبذ أولئك أصحاب الوجوه المتعددة وجوههم الأخرى ويحيون بوجه واحد صادق مع الله تعالى ومع خلقه في الدنيا حتى يلقوا الله تعالى عليه في الآخرة.